في الوقت الذي تواصل فيه آلة الحرب الإسرائيلية عدوانها على جنوب قطاع غزة، وتتصاعد التصريحات المتطرفة من حكومة الاحتلال ضد الوجود الفلسطيني برمته، أعلنت حركة حماس تسلُّمها قائمة تضم 1468 اسمًا من المعتقلين الفلسطينيين في قطاع غزة، ضمن مسار اتفاق التبادل الذي تجري متابعته مع الوسطاء الدوليين.
لكن خلف هذا التطور الإنساني، يتجدد الجدل حول نية الاحتلال الاستمرار في سياسة الإخفاء القسري، والمساومة على المعلومات، وربط مصير الأسرى بالتنازلات السياسية. في المقابل، تزداد حدة التصريحات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وتستمر التحركات الدولية لتثبيت مشروع أمريكي مشبوه يرمي إلى فرض وصاية أمنية على غزة دون الاعتراف بأي سيادة فلسطينية.
حماس: الاحتلال يماطل ويخفي معلومات حساسة
في بيان رسمي، قالت حماس إن القائمة التي تسلمتها من الاحتلال جاءت بعد أكثر من شهر من المفاوضات عبر الوسطاء، وشملت 1468 اسمًا من معتقلي غزة، وأكدت الحركة أنها تحققت من صحة الأسماء جميعًا عدا 11 اسمًا لا يزال التحقق جارٍ بشأنهم.
واعتبرت حماس أن الاحتلال ما زال يرفض الكشف الكامل عن المعتقلين، ويماطل في الإفصاح عن تفاصيل كثيرة، محذّرة من أن إسرائيل تتحمّل كامل المسؤولية عن حياة الأسرى وسلامتهم، وداعية المجتمع الدولي والوسطاء إلى ممارسة الضغط للكشف عن كل الأسرى والمفقودين.
تصعيد سياسي وتحريض عنصري من أعلى المستويات
بالتوازي مع هذا التطور، صعّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزراؤه نبرتهم العدائية ضد الفلسطينيين.
ففي الجلسة الأسبوعية لحكومته، أكد نتنياهو أن "غزة ستُنزع سلاحها، سواء بالطريقة السهلة أو الصعبة"، مجددًا رفضه المطلق لفكرة الدولة الفلسطينية غرب نهر الأردن.
وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير ذهب أبعد من ذلك، وكرر ادعاءاته العنصرية بأن "الشعب الفلسطيني لا وجود له"، واعتبر أن "منح الفلسطينيين دولة مكافأة للإرهاب"، داعيًا إلى "تشجيع الهجرة الطوعية"، في إشارة إلى التهجير القسري.
أما وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، فدعا نتنياهو إلى إصدار موقف رسمي "يرفض نهائيًا قيام دولة فلسطينية"، في تحدٍّ مباشر لأي مسار سياسي دولي محتمل.
في الميدان: قصف ونسف ودمار في جنوب غزة
على الأرض، واصلت قوات الاحتلال تنفيذ عمليات قصف جوي ومدفعي على مناطق جنوب شرق مدينة خانيونس، تزامنًا مع نسف منازل المدنيين، في مشهد يعكس إصرار إسرائيل على الانتقام الجماعي رغم الحديث عن جهود لإعادة التهدئة أو تبادل الأسرى.
ولا تزال المشاهد القادمة من غزة توثق مستويات غير مسبوقة من التدمير والتشريد والمعاناة الإنسانية، في ظل انهيار شبه كامل للقطاع الصحي.
منظمة الصحة العالمية: 16 ألف مريض ينتظرون الإجلاء
قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم إن فرق المنظمة تعمل داخل غزة لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، مشيرًا إلى أن أكثر من 16,500 مريض بحاجة إلى إجلاء عاجل، منهم نحو 4,000 طفل.
ودعا تيدروس إلى فتح كافة طرق الإجلاء، بما فيها إلى الضفة الغربية والقدس الشرقية، مؤكدًا أن تأخير العلاج يعرض حياة الآلاف للخطر، في وقت تغلق فيه إسرائيل المعابر وتفرض قيودًا صارمة على التنقل والإجلاء الطبي.
الخطة الأمريكية: "مجلس سلام" ونزع سلاح.. بلا دولة فلسطينية
وسط هذا المشهد، يواصل مجلس الأمن الدولي الاستعداد للتصويت على مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة، والذي تدعمه دول عربية من بينها مصر، قطر، السعودية، الإمارات، تركيا، والأردن.
ويتضمّن المشروع بنودًا مثيرة للجدل، أبرزها:
- تشكيل مجلس السلام العالمي كهيئة انتقالية لإدارة غزة حتى 2027
- نشر قوة استقرار دولية مؤقتة بالتنسيق مع إسرائيل ومصر
- ربط إعادة الإعمار بنزع سلاح المقاومة
ويرى مراقبون أن هذا المشروع يتماشى مع السياسات الإسرائيلية الرافضة لحل الدولتين، ويُعيد طرح رؤية إدارة ترامب التي تُفرغ القضية الفلسطينية من مضمونها، عبر تكريس واقع أمني بغطاء دولي دون تحقيق الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية.
صفقات مشروطة تحت القصف.. والفيتو آخر أمل
بين قوائم الأسرى، وقصف البيوت، ومشاريع التسوية المفخخة، يبقى الشعب الفلسطيني هو الطرف الوحيد الذي يُطلب منه تقديم التنازلات دون أي ضمانات.
ووسط غياب موقف عربي موحّد، تتجه الأنظار إلى روسيا والصين لاحتمال استخدام حق النقض (الفيتو) لعرقلة تمرير المشروع الأمريكي في مجلس الأمن.
لكن حتى ذلك الحين، تظل غزة تحت الحصار، والضحية بين قصف الاحتلال وابتزاز الدبلوماسية.

