رفض وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين التوقيع على صفقة تصدير الغاز لمصر، رغم أنها تعد الأكبر في تاريخ القطاع بقيمة تتجاوز 35 مليار دولار، لم يكن أزمة اقتصادية بل رسالة سياسية مباشرة تكشف موقع مصر الهش في معادلة الطاقة الإقليمية.

 

هذا الموقف الإسرائيلي جاء ليعرّي النظام المصري وخياراته الخاسرة في ملف الغاز والتسويات الحدودية التي تضمنت تنازلات واسعة من حكومة السيسي، وسط تفاقم التبعية وانعدام هوامش المناورة لصالح القاهرة، وتزايد الضغوط من واشنطن والفشل الذريع في إدارة منظومة شرق المتوسط.

 

إسرائيل تصعد… والسيسي يتراجع

 

جاء رفض توقيع الصفقة في توقيت حساس سياسياً واقتصادياً، إذ اتخذ كوهين قرارًا استراتيجيًا بعدم الرضوخ للضغوط المصرية والأميركية، مشترطاً الحصول على أسعار أعلى وتأمين المصالح الإسرائيلية قبل أي اتفاق نهائي.

 

لم تعد إسرائيل ترى نفسها بحاجة للاعتماد على مصر كمركز لتسييل الغاز، وبدأت فعليًا اتصالات مع شركاء بديلين مثل تركيا وقبرص وأوروبا، خطوة تَلقى إشادة القوى اليمينية الإسرائيلية وتزيد عزلة القاهرة سياسيًا واقتصاديًا.

 

فشل السيسي في حماية ثروات مصر

 

أحداث الصفقة كشفت عن تنازلات فادحة ارتكبها نظام السيسي في ملف الغاز وحقوق المناطق الاقتصادية، تابعها بإبرام اتفاقيات مع إسرائيل وقبرص واليونان صبّت كلها في صالح الخارج على حساب المصالح الوطنية.

 

مصر ضخت استثمارات ضخمة لربط بنيتها التحتية بالغاز الإسرائيلي ووقعت عقودًا طويلة لصالح تل أبيب، حتى باتت عاجزة أمام قرار وزير إسرائيلي واحد قادر على تعطيل نظام التسييل وحرمان مصر من الريع والعائدات التي روّج لها النظام إعلاميًا بوصفها إنجازات استراتيجية.

 

تبعية خانقة وورقة ضغط إسرائيلية

 

موقف إسرائيل واضح: إذا لم تحصل على أعلى منفعة، ستنسحب وتبحث عن بدائل دون اعتبار لمصالح مصر. كوهين ونتنياهو يرفضان توريط السوق الإسرائيلي في أي صفقة قد ترفع أسعار الغاز محليًا أو تفيد القاهرة دون مزايا مضاعفة لتل أبيب، فيما يواصل السيسي تقديم التنازلات بلا مقابل حقيقي ويبقى عاجزًا عن الضغط أو حتى الحفاظ على الحد الأدنى من المكانة الإقليمية.

 

ضربة قاصمة للمشروع الأميركي وتعرية للدور المصري

 

توقف الصفقة لم يكن أمرًا داخليًا فحسب، بل أزعج واشنطن التي تعتبرها ركيزة هندسة أمنية جديدة لعزل روسيا وربط شرق المتوسط بأسواق أوروبا. إلغاء زيارة وزير الطاقة الأميركي كريس رايت احتجاجًا على تعنت إسرائيل أظهر مدى محدودية الدور المصري، وأن السيسي بات عاجزًا حتى عن الالتزام بشروط الحلفاء الغربيين لصالح مشروع الطاقة الإقليمي، ليظهر كنظام هش لا يملك نفوذًا فعليًا على الأطراف الرئيسية في المعادلة.

 

مصر من مركز إقليمي إلى لاعب هامشي

 

بدلاً من تعزيز مكانة القاهرة كمركز إقليمي للطاقة كما برر النظام، تراجع دور مصر بسرعة وتحولت إلى ورقة مساومة بيد إسرائيل وتركيا واليونان، وسط تآكل الثقة الدولية والداخلية في أي قدرة حقيقية للنظام على الدفاع عن مصالح البلاد. سياسة السيسي القائمة على الاعتماد على الغاز الإسرائيلي أثبتت فشلها الذريع، وأصبح النظام رهينة السوق الإسرائيلية وقرارات تل أبيب، ما يهدد أمن مصر الطاقوي ويجعلها عجزة إقليمية وبلا أوراق ضغط.

 

ختاما فتصعيد إسرائيل في ملف الغاز عرّى هشاشة نظام السيسي وخياراته المفلسة، وكشف عن حجم التفريط السياسي والاقتصادي في ثروات البلاد، فيما تواصل حكومة الانقلاب ترويج إنجازات وهمية لم يعد يصدقها الداخل أو الخارج. مع كل صفعة إسرائيلية جديدة، تتأكد نهاية المشروع الإقليمي المصري وينكشف فقدان القاهرة للقدرة على حماية أصولها الوطنية وسط تنافس دولي متصاعد وتحولات جديدة في شرق المتوسط يضعف فيها دور مصر لصالح الجميع ما عدا شعبها المنهك بفشل السيسي وعصابته.