شهدت شركة سكر كوم أمبو بمحافظة أسوان، واقعة صادمة بعدما أقدم أحد عمال المصنع على محاولة الانتحار، عقب صدور قرار مفاجئ بنقله تعسفيًا إلى مجمع سكر الحوامدية بمحافظة الجيزة، في خطوة وصفها زملاؤه بأنها "إجراء انتقامي" على خلفية مشاركة العامل في الاحتجاجات العمالية الأخيرة. وتمكّن العشرات من زملائه من إنقاذه في اللحظات الأخيرة قبل أن يلقي بنفسه من أعلى إحدى مراجل المصنع التي يتجاوز ارتفاعها 35 مترًا.
تفاصيل الواقعة.. قرار “يصعق” العامل ويقوده إلى حافة الانهيار
بحسب روايات عاملين شهدا الحادث، فإن الأزمة بدأت عندما زار الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة السكر والصناعات التكاملية، صلاح فتحي، مصنع كوم أمبو قبل يوم واحد من الواقعة.
وخلال الزيارة، وجّه إليه العامل المهدّد بالنقل سؤالًا حول أسباب عدم تنفيذ وعوده بزيادة الرواتب وتحسين ظروف العمل، وهي وعود كان قد قطعها للعمال عقب موجة الإضرابات التي استمرت لأكثر من ثلاثة أسابيع خلال أغسطس وسبتمبر الماضيين.
غير أن العامل فوجئ، في اليوم التالي مباشرة، بصدور قرار نقله إلى مجمع سكر الحوامدية بالجيزة، على بعد نحو 850 كيلومترًا من محل سكنه وعمله. القرار، وفقًا لزملائه، شكّل “ضربة نفسية قاسية” دفعت العامل إلى انهيار كامل.
أحد العمال الذين شهدوا الواقعة قال إن زميلهم “لم يستطع تحمّل صدمة اقتلاعه من مكانه وتشريده إلى محافظة بعيدة”، مضيفًا أن القرار جاء بمثابة عقاب مباشر على موقفه خلال زيارة الرئيس التنفيذي.
الصدمة تقود إلى محاولة الانتحار.. والزملاء يتدخّلون
في يوم الحادث، فوجئ العمال بصعود زميلهم إلى أعلى إحدى مراجل البخار المرتفعة داخل المصنع، مهددًا بإلقاء نفسهـ ومع تصاعد الصرخات وحالة الهلع، تسابق عشرات العمال للصعود خلفه، وتمكنوا بعد جهد كبير من الإمساك به وسحبه إلى منطقة آمنة.
عامل ثانٍ أكد أن قرار النقل لم يكن رد فعل على حوار العامل مع الرئيس التنفيذي فحسب، بل كان جزءًا من سلسلة إجراءات عقابية بدأت بعد الاحتجاجات العمالية الكبرى، موضحًا أنه “تم بالفعل تسريح أكثر من 40 عاملًا مؤقتًا بمصنع الخشب الحبيبي التابع لكوم أمبو” الشهر الماضي بسبب مشاركتهم في الإضراب.
خلفية الأزمة.. أشهر من الاحتقان داخل مصانع السكر
الاحتجاجات التي هزّت مصانع السكر التابعة للشركة خلال أغسطس وسبتمبر الماضيين شارك فيها أكثر من 10 آلاف عامل، مطالبين بـ: زيادة الرواتب، ورفع قيمة بدل الوجبة، وضم العلاوات المتأخرة، وتحسين بيئة العمل، ووضع حد لسياسات النقل التعسفي.
بدأت الاحتجاجات في مصنعي إدفو وكوم أمبو بأسوان، قبل أن تمتد إلى مصانع أرمنت بالأقصر ودشنا بقنا، وصولًا إلى مصنع المعدات بمجمع سكر الحوامدية. واستمرت التحركات العمالية 26 يومًا متواصلة، رغم الضغوط الإدارية والأمنية التي مورست على العمال لإيقافها.
الأمن يدخل على الخط: استدعاءات وتهديدات
وفي سياق متصل، شهد الشهر الماضي استدعاء جهاز الأمن الوطني بمحافظة أسوان لعشرة من عمال شركة سكر إدفو، على خلفية نيتهم تنظيم إضراب جديد. وقال العمال آنذاك إن ضباط الأمن الوطني حذروهم صراحة من “العواقب” في حال أقدموا على خطوة الاحتجاج.
نقابة الغذاء تتدخل.. والعمال ينهون الإضراب
أنهى العمال إضرابهم في نهاية سبتمبر بعدما زارهم أعضاء من مجلس النقابة العامة للصناعات الغذائية، وأكدوا لهم أن مطالبهم “وصلت إلى أعلى المستويات” وأن الأزمة في طريقها للحل. وكان مصنعَا إدفو وكوم أمبو آخر المصانع التي علّقت إضرابها بعد أيام طويلة من التوتر.
الواقعة تفتح جراح العمال مجددًا
محاولة الانتحار الأخيرة أعادت إلى الواجهة مخاوف العمال من استخدام قرارات النقل كوسائل عقابية ضدهم، ودفعت العديد منهم إلى التحذير من استمرار “سياسة الترهيب” بدلًا من معالجة جذور الأزمة.
وبحسب مصادر عمالية، فإن زملاء العامل الذي حاول الانتحار طالبوا الإدارة بسحب قرار نقله وفتح تحقيق في ملابسات ما حدث، محمّلين الإدارة المسؤولية الكاملة عن تدهور حالته النفسية.

