مع أولى قطرات المطر التي هطلت على قطاع غزة هذا الشتاء، عادت الكارثة الإنسانية لتكشف وجهها القاسي من جديد. لم يعد الشتاء موسماً تتزين به السماء وتفرح به القلوب، بل بات إعلان حرب جديدة على سكان القطاع المنهكين، الذين يعيش عشرات الآلاف منهم داخل خيام مهترئة لا تصمد أمام الرياح ولا تقي من المطر، فيما يواجهون برداً ينهش الأجساد وتحديات يومية تهدد الحياة.
في مخيمات النزوح المنتشرة وسط وجنوب القطاع، تقف “أم جهاد” ومعها أربعة أطفال وزوج يحاول مكافحة المياه التي غمرت خيمتهم بعد ليلة ماطرة قاسية. ترتجف طفلتها ذات الأعوام الستة وقد التصقت ثيابها بجلدها البارد، فيما تتحول البطانية التي كانت تحاول الاحتماء بها إلى قطعة قماش مبتلّة زادت من إحساسها بالبرد. هذا المشهد ليس استثناءً، بل مثالاً صارخاً لآلاف القصص التي تتكرر في كل زقاق ومخيم وشارع.
#فيديو| مشاهد مؤلمة لغرق خيام النازحين في غزة بعد هطول الأمطار. pic.twitter.com/2f80U7aJDa
— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) November 25, 2025
خيام لا تصلح للعيش.. وطين يبتلع ما تبقّى من حياة
تتكدس العائلات داخل خيام صنعت على عجل من أقمشة رقيقة وممزقة لا تقاوم المطر ولا تمنع تسرب المياه. ومع كل منخفض جوي، يتحول المكان إلى مستنقع واسع من الطين، ترتفع فيه الروائح، وتتلوث فيه الأفرشة، وتصبح الخيمة نفسها خطراً قد ينهار فوق رؤوس من بداخلها.
في الليل، تتضاعف المأساة. الظلام الحالك وانعدام الكهرباء والبرد القارس يحولون الليل إلى معركة بقاء طويلة. يحاول السكان رفع أمتعتهم فوق حجارة أو صناديق مكسورة، لعل ما تبقى من الفُرُش ينجو من البلل، بينما يقضون ساعات في انتظار توقف المطر حتى يبدأوا عملية تجفيف جديدة مع أول خيط ضوء.
الصحفي الفلسطيني محمد قاعود عبّر عن هذه المأساة ببلاغة موجعة، حين كتب: “المنخفض في غزة ليس حالة طقس، إنه إعلان حرب جديدة.” في نظره، المطر هنا ليس نعمة، بل استكمالٌ لحرب مستمرة، تدفع العائلات خارج ما تبقّى من الدفء، وتجبرهم على خوض امتحان جديد لا يملكون فيه أي أدوات للنجاح.
مأساة يعيشها الناس داخل خيامهم في #غزة بعد غرقها وانجرافها بفعل الأمطار الغزيرة!#فلسطين pic.twitter.com/qsOHz4c0q5
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) November 25, 2025
كارثة تتسع.. وحماس تطالب العالم بالتحرك
الناطق باسم حركة حماس، حازم قاسم، حذّر من تفاقم كارثة إنسانية تهدد حياة النازحين، مع دخول منخفض جوي جديد أدّى إلى غرق مئات الخيام. وأوضح أن استمرار الحصار ومنع الإعمار، إضافة إلى الظروف الجوية القاسية، يشكل امتداداً لحرب الإبادة بوسائل مختلفة.
ودعا قاسم الجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، والأمم المتحدة إلى تحرك عاجل، محذراً من أن غزة “تواجه مأساة غير مسبوقة” وأن نداءات الاستغاثة لم تلقَ الاستجابة المطلوبة رغم وضوح الكارثة.
تحذيرات أممية: الشتاء أشدّ من الحرب
مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” أصدر بدوره تحذيراً واضحاً من تدهور الوضع الإنساني، مؤكداً أن أكثر من مليون نازح يعيشون بلا مأوى ملائم ولا بطانيات كافية ولا وسائل تدفئة، بينما يمنع الاحتلال دخول كميات كبيرة من الخيام والمساعدات الأساسية.
منظمة “أطباء بلا حدود” أكّدت أيضاً أن المساعدات التي تصل إلى القطاع “لا تزال أقل من الحد الأدنى اللازم”، مشيرة إلى مشاهد مرعبة لخيام تغرق وتتمزق بفعل الرياح والمطر، وإلى أطفال يعانون من انخفاض حرارة الجسم في ظل غياب الرعاية الصحية والملاجئ الدافئة.
#صور| غرق خيام النازحين عقب سقوط الأمطار في دير البلح، وسط قطاع غزّة pic.twitter.com/1diuJQvg3v
— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) November 25, 2025
الأمطار تقتحم المستشفيات.. والكارثة تتوسع
لم تقتصر الفيضانات على خيام النازحين، بل وصلت إلى غرف العمليات وأروقة مستشفيات خان يونس، في مشهد يعكس الانهيار الكامل للبنى التحتية. اضطر الطاقم الطبي لإخلاء بعض الغرف بعد غمرها بالمياه، في وقت يشهد فيه القطاع ارتفاعاً كبيراً في عدد الإصابات الناجمة عن انفجارات مخلفات الحرب، خاصة بين الأطفال.
أرقام صادمة للضحايا.. وركام يبتلع المجهولين
#صور| مأساة جديدة للنازحين في شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة صباح اليوم، مع البرد والمطر والرياح التي تزيد من معاناتهم. pic.twitter.com/TcCxTVndtq
— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) November 25, 2025
وزارة الصحة في غزة أعلنت أن المستشفيات استقبلت خلال 24 ساعة فقط 17 شهيداً و16 إصابة، بينما تم انتشال 14 جثماناً من تحت الأنقاض. ومنذ وقف إطلاق النار الجزئي في أكتوبر 2025، استشهد 345 شخصاً وأصيب 889، في حين تم استخراج 588 جثماناً من تحت الركام.
أما الحصيلة الشاملة منذ بداية العدوان في أكتوبر 2023 فقد تجاوزت 69,775 شهيداً و 170,965 جريحاً، وما تزال الأرقام قابلة للارتفاع في ظل صعوبة وصول فرق الإسعاف والدفاع المدني إلى المناطق المتضررة بفعل الدمار الكبير.

