في استعراض دعائي جديد يهدف لتخدير الرأي العام، خرجت وزارة التخطيط بحكومة الانقلاب لتعلن عن "معجزة اقتصادية" مزعومة، متمثلة في تحقيق نمو بنسبة 5.3% خلال الربع الأول من العام المالي الجاري. لكن وراء هذه الأرقام البراقة التي تم تسويقها كـ"أسرع وتيرة نمو منذ 3 أعوام"، تكمن حقيقة مرة؛ فالبيانات نفسها، عند تفكيكها، تكشف أن هذا النمو ليس إلا "فقاعة" صُنعت من عائدات بيع أصول الدولة الاستراتيجية.

 

إن الاحتفاء بأن 66% من الاستثمارات مصدرها "القطاع الخاص" ليس دليلاً على "مناخ جاذب للاستثمار" كما يزعمون ، بل هو وثيقة إدانة رسمية تؤكد أن الحكومة تبيع أثمن ما تملكه من شركات وأراضٍ لسداد فواتير فشلها، ثم تسجل ثمن البيع كـ"نمو" في تلاعب محاسبي فاضح.

 

توزيع النمو الوهمي: "تصفية" وليس بناء

 

لنفكك "وصفة النمو" التي تتباهى بها الحكومة لنرى مصدرها الحقيقي:

  • مساهمة الاستثمار (2.45 نقطة مئوية): هذا هو المحرك الأكبر للنمو المزعوم. لكن عندما نعلم أن 66% من هذه الاستثمارات "خاصة" ، وأن عام 2025 شهد أكبر حملة "تصفية" لأصول الدولة، ندرك أن هذه النسبة ليست استثمارات جديدة تبني مصانع أو تخلق وظائف، بل هي قيمة صفقات بيع الأصول.
  • قطاع الصناعة التحويلية (14.5%): جزء كبير من هذا النمو يأتي من شركات تم بيعها أو طرح حصص فيها، مثل شركات الأسمدة والبتروكيماويات. فالإنتاج مستمر، لكن أرباحه لم تعد للدولة، بل للمالك الجديد.
  • قطاع السياحة (13.8%): كيف لا ينمو هذا القطاع والحكومة باعت "جوهراته"؟ بيع الفنادق التاريخية في صفقة القرن لمجموعة "توريست"، يعني أن عائدات الإشغال تذهب الآن لمستثمرين خليجيين، بينما تسجل الحكومة "النشاط" كنمو، في عملية "غسيل سمعة" اقتصادية.
  • قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات (14.5%): يتجاهل هذا الرقم حقيقة أن الحكومة كانت على وشك بيع حصتها في "فودافون مصر" (45%)، وأنها تطرح أسهم "المصرية للاتصالات" باستمرار في البورصة، مما يعني أن عوائد هذا القطاع تتسرب تدريجيًا للخارج.

 

حصاد 2025.. وثيقة "بيع مصر" بالأرقام

 

لتكتمل الصورة، يجب أن نوثق حجم الصفقات التي تمت في عام "التصفية الكبير" 2025، والتي شكلت "وقود" هذا النمو الوهمي:

  • صفقات الطاقة (639 مليون دولار): باعت الحكومة محطتي رياح جبل الزيت والزعفرانة لمستثمرين أجانب مقابل 639 مليون دولار، متخلية عن أصول استراتيجية في قطاع الطاقة المتجددة.
  • صفقات الأراضي السيادية (أكثر من 3.5 مليار دولار): تكرارًا لسيناريو "رأس الحكمة"، وقعت الحكومة صفقة بيع منطقة "علم الروم" مقابل 3.5 مليار دولار نقدًا ، بالإضافة إلى مفاوضات مع صناديق خليجية للاستحواذ على أصول عقارية بقيمة 80 مليار جنيه.
  • شركات الجيش: لأول مرة، تم طرح شركات "وطنية" و"صافي" التابعة لجهاز الخدمة الوطنية للبيع، في خطوة تكشف أن "البيع" طال حتى المؤسسات التي كانت تعتبر "خطًا أحمر".
  • البنوك والأدوية: شملت قائمة البيع حصصًا في "المصرف المتحد" (4.5 مليار جنيه)، وشركات أدوية تاريخية مثل "سيد للأدوية"، مما يعني التخلي عن الأمن الدوائي للمصريين.
  • محطات سيمنز (صفقة فاشلة): فشلت الحكومة في بيع 70% من محطة كهرباء بني سويف مقابل 1.8 مليار دولار، ليس بسبب وعي اقتصادي، بل بسبب خلافات فنية، مما يكشف النية المبيتة لبيع كل شيء.

 

مجموع هذه الصفقات وغيرها هو ما يمثل الـ 66% من "الاستثمارات الخاصة" التي يتغنون بها. إنها ليست استثمارات تبني المستقبل، بل هي "سيولة عاجلة" لحكومة مفلسة تبيع أثاث بيتها لسداد ديونها.

 

"الإصلاح الهيكلي".. كلمة حق أُريد بها باطل

 

تنسب الحكومة هذا النمو لـ"الإصلاح الاقتصادي والهيكلي". لكن أي إصلاح هذا الذي يعني أن تتخلى الدولة عن دورها الاقتصادي، وتبيع شركاتها الرابحة، وتترك مواطنيها تحت رحمة مستثمر أجنبي هدفه الوحيد هو تعظيم أرباحه وتحويلها للخارج؟

 

"تمكين القطاع الخاص" أصبح "شفرة" لبيع أصول الدولة. و"التحول نحو قطاعات قابلة للتبادل التجاري" أصبح يعني بيع هذه القطاعات لمن يدفع بالدولار.

 

حكومة "التصفية" لا تصنع مستقبلاً

 

الرقم 5.3% ليس مؤشر نجاح، بل هو "عداد السرعة" الذي تسير به الحكومة نحو الهاوية. والنسبة 66% ليست "تمكينًا للقطاع الخاص"، بل هي "نسبة الاستحواذ الأجنبي" على مصر. ما يحدث هو عملية "تجريف" ممنهجة للاقتصاد المصري؛ يتم فيها استبدال الأصول الإنتاجية المملوكة للدولة بـ"إيجارات" و"أرباح" تذهب للخارج. الحكومة تتباهى بأنها باعت 66% من فرص المستقبل، وتطلب من الشعب أن يصفق لها. هذا ليس نموًا، هذا "إفلاس مقنع" بغلاف من الأرقام الخادعة.