في سابقة خطيرة تكشف عن المستوى الذي وصل إليه التفريط في الأصول السيادية للدولة، تحول "بنك القاهرة"، ثالث أكبر بنك حكومي في مصر، إلى سلعة معروضة فيما يشبه "سوق النخاسة"، حيث يجري الترتيب لبيعه بأبخس الأثمان لصالح الإمارات.

 

وتكشف البيانات المتداولة عن كارثة اقتصادية، حيث يُعرض البنك الذي يمتلك أكثر من 300 فرع للبيع بمليار دولار فقط، وهو مبلغ يمثل 15% فقط من ثمنه الحقيقي، في عملية نهب ممنهج للمال العام تحت لافتة "الطروحات".

 

هذه الجريمة التي تُرتكب في حق الاقتصاد المصري وثقها حساب "تكنوقراط مصر" في تحليل دقيق، كاشفاً زيف الرواية الحكومية وتناقضاتها، ومؤكداً أن عملية البيع تجري على قدم وساق رغم النفي الرسمي، وهو ما يمكن الاطلاع عليه بالتفصيل في الرابط التالي:

 

 

أكاذيب الحكومة وخديعة "الفحص النافي للجهالة"

 

تمارس حكومة الانقلاب، ممثلة في رئيس وزرائها مصطفى مدبولي، عملية "خداع استراتيجي" مفضوحة.

 

فبينما يخرج مدبولي في تصريحات مصورة للاستهلاك المحلي لينفي بيع البنك، نجده في تصريحات لشبكة (CNBC Arabia) يؤكد أن الحكومة تقوم حالياً "بتقييم بنك القاهرة تمهيداً لطرحه"، تاركاً الباب مفتوحاً لطرحه لمستثمر أجنبي.

هذا التناقض يؤكد أن النية مبيتة للبيع، وأن ما يجري الآن تحت مسمى "الفحص النافي للجهالة" ما هو إلا غطاء لشرعنة البيع بثمن بخس.

 

و"الفحص النافي للجهالة" الذي يجريه حالياً بنك "الإمارات دبي الوطني" -بموافقة البنك المركزي- ليس مجرد إجراء روتيني، بل هو عملية كاشفة لكل أسرار المؤسسة المالية، تُستخدم عادة لتصيد الثغرات لخفض السعر.

والمفارقة الصارخة التي تفضح الفساد هي أن بنك القاهرة عُرض عليه في عام 2008 مبلغ 2 مليار دولار من البنك الأهلي اليوناني، واليوم، وبعد أن حقق البنك في 2024 أرباحاً بقيمة 12.5 مليار جنيه (بنمو 84%) ووصلت أصوله إلى 483 مليار جنيه، يتم تقييمه بمليار ونصف المليار دولار فقط! كيف لكيان تضاعفت أصوله وأرباحه أن تنخفض قيمته السوقية؟ الإجابة تكمن في رغبة النظام في "تسييل" الأصول بأي ثمن لسداد فاتورة فشله الاقتصادي.

 

ألاعيب نقل الملكية.. وحصان طروادة الإماراتي

 

لم تتوقف المؤامرة عند حدود التقييم الظالم، بل امتدت لتلاعب قانوني وإداري مريب في هيكل ملكية البنك. فقد رصدت التقارير قيام "بنك مصر" (المالك لبنك القاهرة) بتنقية قروض البنك، ثم نقل ملكيته فجأة إلى "شركة مصر المالية"، وهي شركة تابعة لبنك مصر نفسه! هذا الاستحواذ الجديد ووضع اليد عبر شركات وسيطة يهدف لإخراج البنك من عباءة "المال العام" المباشر ليسهل بيعه بعيداً عن أي رقابة، وكأننا نعود لعصر إدارة "القاهرة الخديوية" عبر شركات خاصة.

 

إن البيع للإمارات تحديداً يمثل خطورة بالغة، حيث وصف مراقبون، ومنهم الدكتور مدحت نافع، بنك القاهرة بأنه "حصان طروادة" الذي سيزرع الإمارات وغيرها داخل النظام المصرفي والسياسات النقدية المصرية.

 

فالسماح لبنك الإمارات دبي بالاستحواذ على حصة قد تصل إلى 60% يعني تسليم مفاتيح السيادة النقدية لطرف خارجي، لا توجد أي ضمانات تمنعه من إعادة بيع هذه الأصول لاحقاً لأطراف أخرى، ربما يكون من بينها الكيان الصهيوني، خاصة في ظل غياب أي قيود على تصرف الملاك الجدد.

 

بين تنظير "نافع" وتضحيات الشرفاء في السجون

 

وفي محاولة لتبرير الجريمة، خرج الدكتور مدحت نافع بمقال في "المصري اليوم" بعنوان "بنك القاهرة وقميص عثمان"، واصفاً البنك بأنه "أيقونة التحدي الجماهيري" لقرارات التخارج.

 

ورغم اعتراف نافع بأن البيع يتم "بثمن بخس لا يعبر عن القيمة العادلة"، إلا أنه وقع في تناقض غريب حين هاجم من أسماهم "غير المختصين أصحاب الضجيج الإعلامي" الذين يشككون في نوايا البيع، متبنياً سردية صندوق النقد حول ضرورة "إصلاح تشوهات الاقتصاد" عبر التخارج!

هذا التنظير "الناعم" الذي يلوم الضحية ويتهم المعترضين، يتجاهل حقيقة أن من تصدوا لهذه السياسات الكارثية هم خبراء وطنيون يدفعون ثمن مواقفهم في سجون الانقلاب.

 

فبينما يُسمح بالتنظير لبيع أصول الدولة، يقبع المهندس يحيى حسين عبد الهادي، الذي وقف سداً منيعاً ضد بيع القطاع العام، والدكتور عبد الخالق فاروق، الذي فضح السياسات الاقتصادية في "العشرية السوداء"، خلف القضبان. هؤلاء ليسوا "أصحاب ضجيج" بل هم صوت الضمير الذي يحاول النظام إسكاته لتمرير صفقات "سوق النخاسة" بليل، وبيع بنك القاهرة وغيره من درر الاقتصاد المصري لسداد ديون لم يستفد منها الشعب جنيهاً واحداً.