في خطوة تكشف عن عمق الأزمة التي يعيشها نظام عبد الفتاح السيسي، وهوسه بمعاقبة أي مصري يجرؤ على رسم مسار لحياته بعيداً عن سيطرته، نشرت الجريدة الرسمية قرار رئيس مجلس الوزراء بإسقاط الجنسية المصرية عن ثلاثة أشخاص، أبرزهم الشاب والبلوجر المعروف علي حسن.
الذريعة المعلنة كانت "التحاقه بالخدمة العسكرية في دولة أجنبية دون ترخيص"، وهي ذريعة قانونية واهية تخفي وراءها حقيقة أكثر قتامة: النظام لم يعد يكتفي بإفقار الشباب وسجنهم ومنعهم من السفر، بل يلاحقهم الآن ليجردهم من هويتهم وانتمائهم، محولاً "الجنسية" من حق أصيل إلى "منحة" يمكن سحبها في أي لحظة، كرسالة ترهيب لكل شاب يحلم بالهروب من "سجن مصر الكبير".
علي حسن.. لماذا يخيف شاب ناجح نظامًا بأكمله؟
لم يكن علي حسن معارضاً سياسياً أو ناشطاً حقوقياً، بل كان مجرد شاب مصري طموح، قرر الهجرة إلى الولايات المتحدة وبناء حياة جديدة، وشارك تجربته مع متابعيه عبر وسائل التواصل الاجتماعي. قصته، التي تضمنت التحاقه بالحرس الوطني الأمريكي، كانت مصدر إلهام للكثيرين الذين يرون في نجاحه في الخارج نموذجاً لما كانوا يتمنونه في وطنهم.
وهنا يكمن "الخطر" الحقيقي الذي رأته الأجهزة الأمنية في قصة علي حسن؛ فهو يقدم نموذجاً مضاداً للسردية الرسمية التي تروج بأن "النجاة في البقاء" و"التضحية من أجل الوطن" (بينما الوطن يضحي بأبنائه).
إن تجريد شاب مثل علي حسن من جنسيته هو رسالة واضحة: "لا يحق لأي مصري أن ينجح أو يتميز خارج السياق الذي نرسمه له". النظام لا يستطيع تحمل رؤية شاب مصري يحقق ذاته، ويرتدي بفخر زياً عسكرياً لدولة أخرى تمنحه حقوقاً وفرصاً عجز وطنه عن توفيرها. القرار ليس عقاباً لعلي حسن بقدر ما هو محاولة يائسة لقتل الحلم في نفوس ملايين الشباب الذين يرون في الهجرة الخلاص الوحيد من البطالة والفقر والقمع.
"قانون الجنسية": سيف مسلط على رقاب المعارضين والمغتربين
يأتي قرار إسقاط الجنسية عن علي حسن وماركو معوض في سياق توسع النظام في استخدام "قانون الجنسية" كأداة قمع سياسي. فبعد أن كانت حالات إسقاط الجنسية نادرة وتقتصر على قضايا التجسس والخيانة العظمى، أصبحت في عهد السيسي سلاحاً شائعاً يُشهر في وجه كل من يغضب عليه النظام، سواء بالداخل أو بالخارج.
التعديلات التي أُدخلت على القانون في السنوات الأخيرة سهّلت من هذه الإجراءات، وجعلت من مجرد "الإقامة في الخارج" أو "العمل مع جهة أجنبية" ذريعة كافية للتجريد من الهوية.
هذا التوجه الخطير يحول كل مصري في الخارج إلى "متهم محتمل"، ويضع ملايين المغتربين الذين يشكلون أحد أهم مصادر العملة الصعبة للبلاد تحت ضغط وابتزاز دائمين.
فالدولة التي تطالبهم بتحويل مدخراتهم لدعم الاقتصاد، هي نفسها التي تهددهم بسحب "شهادة ميلادهم" إذا لم يسيروا على الخط الذي رسمته لهم. إنه انعدام للأمان قانوني ونفسي، وتأكيد على أن مفهوم "المواطنة" في عهد السيسي قد تم اختزاله إلى "طاعة عمياء أو التجريد من الهوية".
من "بيع الأصول" إلى "بيع الهوية": الإفلاس الكامل
إن لجوء نظام السيسي إلى سلاح "سحب الجنسية" هو دليل قاطع على إفلاسه السياسي والأخلاقي. فالنظام الذي فشل في توفير حياة كريمة لمواطنيه، وباع أصول الدولة لسداد ديونه، لم يعد يملك ما يهدد به الناس سوى هويتهم ذاتها.
وعندما تصل دولة إلى مرحلة معاقبة أبنائها على نجاحهم في الخارج، وسحب انتمائهم كورقة ضغط، فهذا يعني أنها فقدت كل شرعية وكل منطق، وتحولت إلى مجرد "سلطة قهرية" تدير البلاد بمنطق "العصا والجزرة"، لكنها لم تعد تملك جزراً لتقدمه، فقررت أن تجعل العصا أغلظ وأقسى.
رد علي حسن الساخر "من يريد الشماتة فالتعليقات مفتوحة" ليس مجرد رد شخصي، بل هو تعبير عن حالة اليأس التي وصل إليها جيل كامل من الشباب المصري، الذي بات يرى في قرار سحب جنسيته "تحريراً" من وطن لم يعد يقدم له سوى القمع والفقر والوعود الزائفة.

