لم يعد الغضب في مصر حبيس الصدور أو مقتصراً على أحاديث الغرف المغلقة. ففي مشهد يلخص حالة الاحتقان التي وصلت إلى نقطة الغليان، خرجت سيدة مصرية في فيديو عفوي وجريء، لتطلق صرخة مدوية في وجه رأس النظام عبد الفتاح السيسي، قائلة بملء فمها: "ارحل دلوقتي.. الشعب كله مش عايزك".

 

الفيديو، الذي انتشر كالنار في الهشيم تحت وسم #الشعب، لم يكن مجرد تنفيس عن غضب عابر، بل وثيقة إدانة حية لنظام أوصل المواطن إلى مرحلة يخيّر فيها بين "الموت جوعاً" أو "الموت قهراً"، وجعل الأمهات يودعن بناتهن كـ "أمانة" قبل أن ينطقن بكلمة حق، خوفاً من بطش الأجهزة الأمنية التي لا ترحم.

 

"بناتي أمانة في رقبتكم".. وصية الخوف في دولة القمع

 

أكثر ما يخلع القلب في فيديو السيدة المصرية ليست كلماتها السياسية، بل تلك الجملة التي اختتمت بها رسالتها: "بناتي أمانة في رقبتكم لو حصل لي حاجة".

 

هذه العبارة وحدها تكشف عن حقيقة "الجمهورية الجديدة" المرعبة؛ جمهورية يعلم فيها المواطن أن ثمن الشكوى من الجوع هو الاعتقال، وأن مصير من يجرؤ على قول "كفاية" هو الاختفاء القسري وترك أطفاله للمجهول. إنها شهادة حية على أن النظام نجح في زراعة الخوف، لكنه فشل في حصد الصمت، فالألم الاقتصادي والقهر اليومي كسرا حاجز الرعب، ودفعا الناس للمقامرة بحياتهم وحياة أبنائهم لمجرد إيصال صوتهم.

 

 

سياسات التجويع والإنكار.. وقود الانفجار القادم

 

صرخة هذه السيدة ليست حالة معزولة، بل هي رأس جبل الجليد لغضب شعبي يتصاعد مع كل قرار حكومي جديد برفع الأسعار أو تقليص الدعم. فبينما يطالب السيسي المصريين بالصبر والتقشف، ويحدثهم عن "الإنجازات" والكباري، يرى المواطن واقعه ينهار؛ ثلاجته فارغة، وفواتيره تتضاعف، ومستقبل أبنائه يضيع في مدارس بلا تعليم ومستشفيات بلا علاج.

 

ويرى مراقبون أن حالة "الإنكار" التي يعيشها النظام، واستمراره في سياسات الاقتراض والإنفاق الاستعراضي (كالقصور الرئاسية المضاءة بينما يغرق الشعب في الظلام)، هي الوقود الحقيقي الذي سيشعل الشارع. فالناس لم يعودوا يصدقون وعود "بكرة"، لأنهم لا يجدون قوت "النهارده".

 

النظام في مواجهة "الشارع".. هل اقتربت لحظة الحقيقة؟

 

ما يميز هذه الموجة من الغضب هو عفويتها وخروجها من فئات كانت محسوبة تقليدياً على "حزب الكنبة" أو المؤيدين للاستقرار. تحذير السيدة "ارحل قبل ما الشعب ينفجر" يحمل دلالة خطيرة؛ فهو يشير إلى أن صبر المصريين قد نفد، وأن شرعية النظام -التي كانت تستند إلى فكرة "المنقذ"- قد تآكلت تماماً أمام واقع الفشل الاقتصادي.

 

التقارير الحقوقية والرصد الميداني تؤكد أن القبضة الأمنية، مهما اشتدت، لن تستطيع احتواء غضب الجياع إلى الأبد. فاعتقال صاحب فيديو أو ترهيب أسرة قد يسكت صوتاً، لكنه يزرع ألف صوت آخر ينتظر اللحظة المناسبة للانفجار. ويبدو أن تلك اللحظة، كما تقول صرخة الأم المصرية، باتت أقرب مما يتخيل قادة النظام في قصورهم العاجية.