سلط موقع "يورو نيوز" الضوء على توسع الجيش المصري في أنشطته الاقتصادية والتجارية، بما فيها العديد من المنتجات المنزلية، ومن بينها المكرونة، وتعبئة المياه المعدنية، وبحث تداعيات ذلك على اقتصاد أكبر دولة في المنطقة.

 

وحصل طبق الكشري الوجبة الشهيرة في مصر، مؤخرًا على اعتراف من اليونسكو كتراث ثقافي غير مادي.

 

وعلق الموقع: "إذا تناولت هذا الطبق - وهو مزيج من العدس والحمص والشعيرية والمكرونة يعلوه البصل المقلي وصلصة حارة - فهناك احتمال كبير أن العديد من المكونات تم إنتاجها، كما خمنت، من قبل الجيش المصري".

 

وقال ماتيو كولومبو، الباحث في معهد العلاقات الدولية الهولندي كلينجندايل، لـ "يورونيوز": "الأمر غير العادي في مصر هو أن الكثير من هذه المنتجات المصنوعة في المصانع العسكرية تُباع في الاقتصاد العام. إذا ذهبت إلى سوبر ماركت مصري، يمكنك بسهولة العثور على زجاجة مياه ينتجها الجيش".

 

وافق صندوق النقد الدولي على إقراض مصر 6.8 مليار يورو لمعالجة التحديات الاقتصادية المتزايدة، لكن عمليات الصرف تأخرت بسبب ما وصفه بأنه اقتصاد "تهيمن عليه الاستثمارات العامة، وعدم تكافؤ الفرص، والكيانات المملوكة للدولة، بما في ذلك الكيانات العسكرية".

 

وأوضح التقرير أن سيطرة الجيش على الاقتصاد المصري ليست بالأمر الجديد، لكن نطاقها قد توسع بشكل كبير منذ عام 2011، إذ استخدم الضباط الذين تعاقبوا على حكم مصر منذ خمسينيات القرن الماضي القوات المسلحة لمركزية سيطرة الدولة.

 

وقام الرئيس جمال عبدالناصر، الذي حكم البلاد ما بين عامي 1954 و1970، بتحويل الجيش إلى إنتاج مدني خلال فترة مضطربة أعقبت الاستقلال تميزت بالصراعات مع إسرائيل.

 

من هنا كانت البداية؟


قال الدكتور خالد فهمي أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة تافتس لـ "يورونيوز": "لم يبدأ الأمر مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، بل بدأ في أوائل الستينيات في عهد عبد الحكيم عامر، قائد الجيش في عهد جمال عبدالناصر".

 

وأضاف، أن المنطق يكمن في قدرة الجيش على الاستجابة بشكل أسرع في أوقات الأزمات، "هذا يعني بالطبع عدم وجود إشراف أو تدقيق".

 

لكن خليفة ناصر، هو من رسخ الدور الاقتصادي للجيش. في عام 1979- العام الذي وقعت فيه مصر معاهدة سلام مع "إسرائيل"- فقد أنشأ أنور السادات، جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للإشراف على الإنتاج العسكري للسلع العسكرية والمدنية على حد سواء.

 

قال فهمي: "لم تسفر معاهدة السلام عن تقليص حجم الجيش. كان السؤال هو: ماذا نفعل بالجيش، وكيف نحافظ على ولاء كبار الضباط الآن بعد أن فقدوا المكافآت التي كانوا يحصلون عليها من الحملات والخدمة الحربية؟"

 

أصبح تشغيل الشركات التابعة للجهاز هو الحل. 

 

قال يزيد صايغ، مؤلف كتاب "أوليء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري"، إن ثورة 2011 حفزت طفرة اقتصادية عسكرية. 

 

وأضاف": "كانت حصة الجيش في أي قطاع من قطاعات السوق صغيرة قبل عام 2011، لكنها نمت بشكل كبير في القطاعات "الاستراتيجية" مثل الأسمنت والصلب، وذلك بفضل الدعم الرئاسي القوي والهيمنة السياسية للجيش".

 

وأشار إلى أن "التغييرات الرئيسة منذ عام 2011 هي ذات شقين: من حيث الحجم الهائل، وأيضًا من حيث اكتساب دور مباشر في صنع السياسات الاقتصادية واستراتيجية الاستثمار الحكومي". وقد كان لهذا الأمر آثار اقتصادية عميقة.

 

"شعور بالفخر الوطني"

 

منذ عام 2015، واجه الاقتصاد المصري تحديات كبيرة. فقد ارتفع التضخم بشكل حاد، وبلغ ذروته عند 38 بالمائة في سبتمبر 2023. ثم انخفض منذ ذلك الحين إلى 12.3 بالمائة ، أي ما يقارب خمسة أضعاف معدل الاتحاد الأوروبي.

 

وانخفضت قيمة الجنيه، الذي فكّت مصر ارتباطه بالدولار عام 2016، انخفاضًا ملحوظًا. ففي عام 2015، كان اليورو الواحد يعادل نحو 9 جنيهات، أما الآن فقد تجاوز 55 جنيهًا.

 

رأى كولمبو أن الوجود العسكري في الاقتصاد يمكن أن يكون بمثابة حصن منيع ضد الصعوبات التي تواجهها الأسر في مواجهة تكاليف المعيشة.

 

وقال: "سيقول لك الجيش إن لذلك تأثيرًا جيدًا لأنه يسمح ببيع المنتج بسعر أقل، وهو سعر في متناول المصريين، وإن الجيش يساهم في إنتاج مصر".

 

ويشير كولومبو أيضًا إلى "الشعور بالفخر الوطني" كدافع للمصريين لشراء هذه المنتجات، حتى لو كانت الجودة أقل، "يرى بعض الناس في مصر أن الجيش شيء يدعو للفخر".

 

مع ذلك، فهو يرى أيضًا الجوانب السلبية المحتملة لذلك: "أنت تخاطر بأنه إذا كان لديك إنتاج عسكري كبير، فإن لديك فرصًا أقل للآخرين، مما يخلق نوعاً من عدم التكافؤ في المجال".

 

في الوقت نفسه، شكك صايغ في الهيمنة المحددة للمنتجات المملوكة للجيش في العديد من قطاعات الاقتصاد.

 

في سوق المياه المعدنية، كانت حصة المياه المصنعة من قبل الجيش أقل من 5 بالمائة من السوق، بينما كانت شركة مكرونة كوين الشهيرة تنتج سدس طاقتها الإنتاجية فقط، وهو ما يمثل "1.5 كيلوجرام فقط للفرد سنويًا، أو أقل من 100 جرام لكل جندي يوميًا".

 

لكن هذا لا يمنع الجيش من تشويه السوق بشكل عام. وأوضح صايغ قائلاً: "تتمثل التأثيرات الكلية الرئيسة في تحويل الائتمان، وبالتالي تضييق قدرة القطاع الخاص على الاقتراض، والسيطرة على فرص الاستثمار، مما يضعف الحافز للاستثمار الخاص".

 

وأضاف: "يتمثل الأثر الثانوي في رفع أسعار السوق وتكاليف التشغيل للجهات الفاعلة الخاصة في القطاعات التي يكون فيها طلب الدولة مرتفعًا للغاية".

 

وقال "يورونيوز" إنه تواصل مع وزارة الدفاع المصرية للتعليق.

 

ما مدى سيطرة الجيش؟ لا أحد يعلم


شهد الاقتصاد العسكري مقاومة كبيرة في الآونة الأخيرة، وبخاصة على الصعيد الدولي.

 

أشاد بن فيشمان، الذي عمل في إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ببعض أركان الحكومة المصرية، وقال لـ "يورونيوز": "إن ميزانية الحكومة نفسها يديرها إصلاحيون واضحون. وعلى وجه التحديد، وزراء المالية والاستثمار والتنمية".

 

وأضاف: "إنهم يفهمون هذه الأفكار، ويعملون على إدارة الأمور بكفاءة أكبر، ويقومون برقمنة بعض الأنظمة. كما أنهم يبتكرون مبادرات ضريبية لمؤسسات القطاع الخاص".

 

ورأى فيشمان أن إصلاح الاقتصاد "ليس شيئًا يستطيع السيسي القيام به بين عشية وضحاها"، وذلك بسبب مجموعة من العوامل، بما في ذلك دور الجيش في السياسة.

 

وأشار أيضًا إلى الأموال المتدفقة من الخليج والاتحاد الأوروبي في شكل مساعدات واستثمارات- على الرغم من المخاوف بشأن الهيمنة الاقتصادية العسكرية - باعتبارها ربما تسمح لمصر بالإفلات من العقاب.

 

ومن المشاكل الأخرى في تحرير الاقتصاد، والتي أشار إليها العديد ممن تحدثت إليهم "يورونيوز"، هو الافتقار التام للوضوح بشأن ما يمتلك الجيش فعلياً مصلحة مالية فيه.

 

قال فهمي: "يحاول الناس معرفة النسبة المئوية للاقتصاد المصري التي يسيطر عليها الجيش. أعتقد أن هذا سؤال خاطئ. لا أحد يعرف. حتى هم أنفسهم لا يعرفون".

https://www.euronews.com/2025/12/25/pasta-a-la-army-how-influential-is-militarys-stake-in-egypts-economy