يقدّم الكاتب وخبير تطوير الذات جيم رون رؤية عملية لفن التواصل، باعتباره مهارة تُشبه الرسم على لوحة بيضاء، حيث يختار الإنسان أدواته بعناية ليصنع الأثر الذي يريده. يرى رون أن التواصل ليس مجرد كلمات تُقال، بل مزيج واعٍ من أدوات لفظية وغير لفظية، وكلما أتقن الشخص استخدامها بذكاء، ازداد تأثيره في الآخرين.

 

في طرحه، يربط رون بين قوة التواصل والقدرة على الوعي بالأدوات المتاحة، ثم استخدامها بشكل مقصود، مؤكّدًا أن التميّز في التواصل لا يأتي بالصدفة، بل بالممارسة والانتباه للتفاصيل الصغيرة التي تصنع الفرق الكبير.

 

ينشر موقع Success.com هذا المقال ضمن محتواه المتخصص في تطوير الذات وبناء المهارات الشخصية، مسلطًا الضوء على أفكار جيم رون بوصفها دليلًا عمليًا لتحسين التواصل في الحياة اليومية والمهنية.

 

أولًا: أدوات التواصل اللفظي.. الكلمة نواة التأثير

 

يركّز جيم رون على أن الكلمات التي يختارها الإنسان تكشف الكثير عنه، وتعكس قيمه ومستوى وعيه. تحمل الكلمات طاقة قادرة على الإلهام أو الهدم، لذلك يوصي باستخدام ألفاظ واضحة، إيجابية، ومفهومة للمستمع. كما ينصح بتجنّب الكلمات التي تسيء أو تقلّل من قيمة المتحدث في نظر الآخرين.

 

يوضح رون أن المفردات الواسعة تمنح صاحبها ميزة إضافية، لأنها تساعده على التعبير بدقة وجاذبية. لكن الذكاء الحقيقي يظهر في القدرة على تكييف اللغة بحسب الجمهور، باستخدام مفردات أعمق مع الفئات المتعلمة، وأبسط مع غيرها، دون تصنّع أو تعالٍ.

 

يتناول الكاتب أيضًا نبرة الصوت وسرعة الكلام، ويرى أن التنويع فيهما يحافظ على انتباه المستمع. فالصوت الرتيب يُفقد الرسالة حيويتها، بينما التغيير في النبرة والإيقاع يشبه استخدام ألوان متعددة في لوحة واحدة. السرعة العالية قد تعبّر عن الحماس، والبطيئة توحي بالتأمل والجدية، وكلاهما أداة مؤثرة إذا استُخدما بوعي.

 

ثانيًا: العاطفة والنطق.. بين الصدق والسيطرة

 

يؤكّد رون أن العاطفة عنصر أساسي في التواصل الفعّال، بشرط السيطرة عليها. التعبير عن الغضب أحيانًا قد يبيّن الجدية، والدموع قد تعكس الشغف والإنسانية، والضحك يرسل رسالة خفّة وقرب. لكن الفرق كبير بين إظهار العاطفة والانجراف خلفها، فالأولى قوة، والثانية قد تُضعف الرسالة.

 

ينبّه الكاتب إلى أهمية النطق الواضح، لأن غموض الكلمات يقتل المعنى مهما كانت الفكرة قوية. يضيف أن النطق السليم يمنح الكلام قوة وحضورًا، شرط ألا يتحوّل إلى مبالغة تفقده طبيعته. الهدف هو التوازن: وضوح بلا تصنّع.

 

يشدّد رون على فكرة التنويع، معتبرًا أن التواصل بطريقة واحدة يجعل المتحدث متوقّعًا، وبالتالي مملًا. التنوع في الكلمات والنبرة والعاطفة والسرعة يُبقي المستمع حاضر الذهن ومتفاعلًا.

 

ثالثًا: التواصل غير اللفظي.. ما يقوله الجسد دون كلمات

 

ينتقل جيم رون إلى جانب لا يقل أهمية: التواصل غير اللفظي. يوضح أن ما لا يُقال قد يكون أبلغ من الكلام نفسه. استخدام اليدين، على سبيل المثال، يضفي حيوية على الحديث، بينما الجمود قد يعطي انطباعًا بعدم الارتياح. في المقابل، المبالغة في الحركات قد تشتت الانتباه، لذا يبقى الاعتدال هو المفتاح.

 

يتحدث رون عن قوة العينين، ويصفهما بأنهما أداة تواصل عميقة. النظر المباشر يرسل رسالة اهتمام واحترام، بينما التشتت البصري يوحي باللامبالاة. التواصل البصري الجيد يجعل الطرف الآخر يشعر بأهميته.

 

يتناول أيضًا وضعية الجسد، مثل تشابك الذراعين، التي قد تعكس انغلاقًا أو رفضًا دون قصد. كما يشرح كيف تعبّر وضعية الوقوف أو الجلوس أو الانحناء عن رسائل مختلفة. يضرب مثالًا بخبراء الإلقاء الذين يغيّرون وضعيتهم ليخلقوا لحظة حميمية مع الجمهور، حتى في القاعات الكبيرة.

 

في النهاية، يرى جيم رون أن إتقان فن التواصل رحلة ممارسة مستمرة، وليست موهبة فطرية فقط. التنوع، الوعي، والصدق هي الأعمدة التي يقوم عليها تواصل مؤثر، قادر على بناء العلاقات، وإيصال الأفكار، وترك أثر لا يُنسى.

https://www.success.com/rohn-8-ways-to-master-the-art-of-communication