تثير الادعاءات الإسرائيلية المتكررة حول إحباط عمليات تهريب أسلحة من الحدود المصرية تساؤلات جوهرية حول التوقيت والهدف من هذه الرواية. أعلنت منصة "سرغيم" العبرية إحباط الجيش الإسرائيلي 20 محاولة تهريب خلال أسبوعين فقط، آخرها طائرة مسيرة محملة بـ20 بندقية من نوع M-16، في وقت يشهد فيه التنسيق الأمني بين القاهرة وتل أبيب مستويات غير مسبوقة. فهل تحاول إسرائيل تبييض وجه النظام المصري أمام الشارع العربي؟ أم أن السيسي يرسل رسالة لإسرائيل بأن أمنها متوقف على استمرار التنسيق معه؟ وكيف يصل هذا الكم من السلاح إلى سيناء رغم القبضة الأمنية الحديدية؟

 

السؤال الأخطر: لماذا تكتفي إسرائيل بإسقاط الطائرات ولا تتبع مسار السلاح لتقصف الوجهة النهائية كما تفعل في كل مكان آخر؟ هذه التساؤلات تدفع خبراء ومحللين للتشكيك في حقيقة هذه الادعاءات والبحث عن الأهداف الخفية وراءها، خاصة في ظل التوتر المتصاعد بين مصر وإسرائيل حول ملفات غزة ومعبر رفح ومحور فيلادلفيا.

 

التوقيت المريب: تبييض وجه السيسي أم رسالة تهديد لإسرائيل؟

 

يرى المحلل السياسي المصري د. يسري عبيد أن هذه الادعاءات الإسرائيلية تأتي في توقيت مريب، مؤكدًا أن "إسرائيل تستخدم هذه الرواية لخدمة أهداف متعددة، منها تبييض وجه النظام المصري أمام الشارع العربي الذي يتهمه بالتواطؤ الكامل مع الاحتلال". وأضاف أن "إظهار مصر كدولة تسمح بتهريب السلاح للمقاومة الفلسطينية يخدم السيسي أمام الرأي العام العربي، لكن الحقيقة أن التنسيق الأمني لم يتوقف يومًا".

 

من جهته، يطرح اللواء محمد رشاد، وكيل المخابرات المصرية الأسبق ورئيس ملف الشؤون العسكرية الإسرائيلية سابقًا، تساؤلاً مهمًا: "لماذا تعلن إسرائيل عن هذه العمليات بهذه الطريقة الاستعراضية؟ الطريقة الإسرائيلية المعتادة هي التكتم والمتابعة حتى تصل للمصدر، لكن هنا نرى إعلانًا إعلاميًا ضخمًا". وأوضح أن "هذا يطرح احتمال أن السيسي نفسه يريد إرسال رسالة لإسرائيل مفادها أن أمنكم متوقف على التنسيق معنا، وأن إغلاق الممرات لا يتم إلا بموافقتنا".

 

اللواء د. سمير فرج، مدير إدارة الشؤون المعنوية الأسبق في الجيش المصري، يؤكد أن "هناك تنسيقًا أمنيًا كاملاً بين الطرفين، وما يحدث ليس خارجًا عن المعرفة المشتركة". وأضاف: "الادعاءات الإسرائيلية جزء من لعبة سياسية أكبر تخدم الطرفين، فإسرائيل تريد تصوير نفسها كدولة يقظة تحمي أمنها، والنظام المصري يريد تلميع صورته أمام الشعوب العربية".

 

السلاح الوهمي: كيف وصل وإلى أين سيذهب؟

 

السؤال الأكثر إحراجًا: كيف يصل هذا الكم من السلاح إلى سيناء في ظل القبضة الأمنية الحديدية التي يفرضها النظام المصري منذ سنوات؟ اللواء د. أحمد عبد الحليم، أستاذ العلوم الاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية، يقول: "سيناء تخضع لسيطرة أمنية شاملة، وكل متر مربع تحت المراقبة. السؤال المنطقي: من أين جاء هذا السلاح؟ وكيف وصل؟ الإجابة الوحيدة المنطقية أن هناك علمًا مسبقًا أو أن هذه الرواية ملفقة من الأساس".

 

الخبير العسكري المصري سمير راغب نفى في تصريحات سابقة صحة الادعاءات الإسرائيلية حول وجود بنية تحتية عسكرية في سيناء، مؤكدًا أن "مصر ملتزمة بكل الاتفاقيات، والوجود الأمني المصري في سيناء يتم بتنسيق كامل مع إسرائيل". هذا يؤكد أن أي نشاط في سيناء لا يمكن أن يحدث دون علم الطرفين.

 

السؤال الأهم الذي يطرحه د. يسري عبيد: "لماذا لا تتبع إسرائيل مسار هذا السلاح وتقصف الوجهة النهائية كما تفعل في كل مكان آخر؟ لماذا تكتفي بإسقاط الطائرات على الحدود؟ هذا يؤكد أن العملية مسرحية مشتركة الهدف منها إرضاء الطرفين وإرسال رسائل سياسية". وأضاف: "إذا كان السلاح فعلًا متجهًا للمقاومة، فإسرائيل لن تتوقف عند الحدود، بل ستتبع الأثر وتدمر كل شيء، كما فعلت في غزة ولبنان وسوريا".

 

لعبة سياسية تخدم الطرفين وتضلل الرأي العام

 

السفير حسين هريدي، المساعد الأسبق لوزير الخارجية المصري، يؤكد أن "التجاهل من جانب نتنياهو للتنسيق الأمني مع مصر ليس صدفة، بل تكتيك سياسي في إطار خطته لخدمة نفسه ومصالحه". وأوضح أن "نتنياهو يستخدم هذه الادعاءات لتصوير وجود خطر دائم يهدد إسرائيل، وفي نفس الوقت يستغل ذلك للضغط على مصر التي تقف حجر عثرة أمام مخططاته لتصفية القضية الفلسطينية".

 

اللواء محمد رشاد يضيف: "طريقة الإسرائيليين هي إطلاق تصريحات مستفزة للتغطية على خروقاتهم، ومصر تعي ذلك جيدًا. إسرائيل تريد صرف الأنظار عن مخالفتها لاتفاقيات غزة ورغبتها في عدم الالتزام بها، واستمرار احتلالها لمحور فيلادلفيا". هذا التصريح يؤكد أن الادعاءات الإسرائيلية جزء من حرب إعلامية لخدمة أهداف سياسية.

 

في النهاية، تبقى الحقيقة غامضة وسط هذا الكم من الادعاءات والتصريحات المتضاربة. لكن المؤكد أن التنسيق الأمني بين القاهرة وتل أبيب لم يتوقف، وأن ما يُعلن للرأي العام قد يكون مجرد مسرحية مشتركة تخدم مصالح الطرفين على حساب الحقيقة والشعوب.