تمر ذكرى يناير هذا العام لتجددَ الأمل في عودة الشعب لامتلاك إرادته من جديد، واستعادة حريته المفقودة، واسترداد حقه في وطن آمن؛ يأبى الظلم ويرفض الاستبداد ويحارب الفساد، وينافح عن وحدة تراب وطنه من أن يستباح أو يكون سلعة تباع وتشترى، وإنهاء هذه الحقبة من تاريخ مصر.
وتأتي الذكرى هذا العام في ظل أوضاع إقليمية ودولية تحمل البشريات للشعوب المقهورة، وتعيد الأمل لها في استرداد حقوقها وابتعاث نهضتها، ففي سوريا سقط نظام الأسد الذي جثم على صدور الشعب السوري عقودًا من الزمان، واستعاد الشعب السوري الأمل في الحرية والعدالة، وفي أرض غزةَ العزة شاء الله أن يقهر عدوَّهم ويبدل خوفهم أمنًا ويؤيدهم بنصره ويأذن بالفرج على هذا الشعب الصامد المرابط.
لقد كان لانبعاث الأمل لدى الشعوب في التغيير وامتلاك الإرادة أثره الكبير على أنظمة الاستبداد والفساد، الأمر الذي جعل نظام الانقلاب يخشى صحوة الشعب، لا سيما مع أجواء الاحتقان غير المسبوقة؛ نتيجة الفشل الاقتصادي، والاعتماد على المنح والقروض الأجنبية، والتوسع في بيع مقدرات الدولة بصورة خطيرة تمس الأمن القومي المصري، وتراجع دور مصر الإقليمي حتى في الملفات ذات الصلة التاريخية بمصر في غزة والسودان، كل ذلك يأتي متزامنًا مع تنامي حالة الوعي لدى كافة قطاعات الشعب ومكوناته الوطنية بخطر الجرائم التي يرتكبها الانقلاب في حق الوطن وأبنائه المخلصين.
إن المحاولات الأخيرة للتصدي لحالة الصحوة والوعي الشعبي الواسع دفعت سلطة الانقلاب إلى ارتكاب مزيد من الجرائم والبطش ضد كل من يعبِّر عن رأيه؛ فزادت حالات اعتقال الشباب على الرغم من بُعدهم عن التعرُّض للشأن السياسي؛ بما يؤكد هشاشة هذا النظام وأن هيكله المبني على المعادلة الأمنية ضعيف للغاية.
لقد كان اجتماع كل أطياف الوطن ومكوناته في ثورة يناير علامةً فارقة في تاريخ مصر، ومؤشرًا على حقيقة التغيير الذي نسعى إليه؛ من تغيير لمنظومة الاستبداد، وعودة السلطة في يد الشعب، وتحقيق الاستقلال الوطني والعدالة والعيش الكريم لأبناء الوطن؛ من خلال حراك سلمي يتوخى عدمَ الانجرار إلى احتراب أهلي أو إسقاط لمؤسسات الدولة؛ بما منع الفوضى والاقتتال التي حاولت فلولُ النظام البائد أن تصنعها.
إن الواقع الذي تمر به مصر في ظل متغيرات إقليمية ودولية واسعة يؤكد أننا على مقرُبة من تغيير جديد يؤذِنُ بالتخلص من هذه الحقبة؛ من خلال التوحُّد على مشروع وطني جامع، تشارك فيه كل القوى بلا استبعاد أو إقصاء، بعد أن أضعف هذا الانقلابُ مكانة مصر وأهدر طاقاتها، وغيَّب المخلصين من أبنائها في المعتقلات والمهاجر، وحرم الشعب من حقه في تقرير مصيره واختيار حكامه.
إننا على يقين من اقتراب هذا اليوم، وانبلاج فجر جديد تسطعُ فيه شمس الحرية، وتعودُ للشعب المصري سيادته، ويستردُّ كامل حقوقه، ويتبوأُ المكانة التي يستحقها ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّـهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ (الروم: 4-5).
أ. د. محمود حسين
القائم بأعمال فضيلة المرشد العام لجماعة "الإخوان المسلمون"
الجمعة، 24 رجب 1446 هـ - 24 يناير 2025 م