تشير سلسلة المكاسب العسكرية الجديدة التي تجتاح السودان إلى ثقة جديدة نابعة من إحساس متجدد بالهدف ووحدة الأمة. فقد أدت نجاحات الجيش السوداني في كردفان، النيل الشرقي، بحري، المصفاة النفطية، والمقر العام للجيش إلى إحباط قوات الدعم السريع، مما دفع المقاتلين إلى الفرار جماعيًا مع عائلاتهم وحتى مع أثاثهم. وفي الوقت نفسه، أفاد مراسل وكالة الأنباء الفرنسية في بورتسودان بأنه تم رصد حوالي 70 حافلة يوم الاثنين تقلّ نحو 3,500 نازح عائدين إلى ود مدني. وقد تسببت الحرب في السودان في أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم، حيث اضطر 14 مليون شخص إلى الفرار من منازلهم.

لقد حلت المطالب بالأمان والاستقرار والعودة إلى الديار محل النداءات السابقة للحكم المدني والسلام والعدالة والمساواة. كما أن الهتافات التي تنادي بـ"شعب واحد، جيش واحد" قد تطغى على الدعوات السياسية لإصلاح الجيش. في المقابل، لا يشعر بعض السودانيين بالإعجاب تجاه السياسيين مثل رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، زعيم تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية المعروفة بـ"تقدم"، والتي أثارت محاولاتها لتشكيل حكومة في المنفى أزمة قيادة تهدد وحدة الكتلة السياسية. كما أن دعوة حمدوك العلنية لتدخل دولي عبر قوات حفظ السلام لإنهاء الحرب، فُسرت على نطاق واسع على أنها محاولة لاستدعاء غزو أجنبي للسودان.

 

مصير قوات الدعم السريع

سياسيًا، فإن الدفع باتجاه العودة إلى الحكم المدني سيأتي في وقت تكون فيه شعبية الجيش في أوجها. ويمكن القول، إن المطالب بتحقيق العدالة ستكون أشد إلحاحًا للانتقام من مقتل نحو 61 ألف شخص في الحرب ضد قوات الدعم السريع. كما أن المشاعر السلبية تجاه القيادة الإسلامية، التي تُتهم بالوقوف وراء الأزمات الاقتصادية والسياسية في السودان، قد تتراجع نظرًا للدور الذي لعبه المقاتلون الإسلاميون في تحرير البلاد. علاوة على ذلك، سيكون من الصعب تجنب مكافأة القوات التي خاضت القتال، كما أن تجاهل الشخصيات ذات الخبرة في الحكم سيكون تحديًا كبيرًا. ومن المرجح أن تستمر المشكلات الاقتصادية إذا لم يتم احتواء الضغوط التضخمية أو جذب استثمارات أجنبية جديدة. ومن المفارقات أن الحرب ستلفت الانتباه إلى الجنود الشباب الذين دافعوا عن البلاد.

قد يتساءل السودانيون عن سبب وجوب وضع ثقتهم في طبقة سياسية انتقدت في بعض الأحيان وطنية الجيش وبدت وكأنها تدعم قوات الدعم السريع التي "يحتقرها الكثيرون". وهناك تساؤلات حول ما إذا كان قادة القوى السياسية سيلتزمون بوعدهم بالانسحاب من المشهد السياسي عند انتهاء الحرب.

كان يُنظر إلى قوات الدعم السريع في السابق على أنها القوة الجديدة التي ستصلح الجيش وتسلم الديمقراطية للمدنيين، ولكنها الآن تواجه مستقبلاً غامضًا. وتدور قصص بطولية حول احتجاز رئيس السودان عبد الفتاح البرهان في مقر الجيش لمدة أربعة أشهر. كما أعرب قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، عن إحباطه المتكرر في خطاباته، كاشفًا أنه طُلب منه القضاء على النفوذ الإسلامي في البلاد والمنطقة. ويُعتقد أن هذا الطلب جاء من الإمارات ودول أخرى لم تُذكر أسماؤها. ومع ذلك، لا شك أن الإمارات قدمت أسلحة وذخائر تدفقت إلى البلاد. ومع انتهاء الدعم المالي الإماراتي المحتمل، سيتعين على السودان إيجاد مصادر جديدة للدخل، خاصة مع مساعي الجيش للسيطرة على احتياطيات الذهب.

 

تحديات بناء السودان الجديد

محاولة إعادة ترسيخ السيادة والاستقلال السوداني تعني تجديد التحالفات الدولية، وهو أمر قد يكون صعبًا باستثناء العلاقة مع مصر. فقد نشأ خلاف جديد بين جنوب السودان والخرطوم بسبب مشاكل في أبيي والعنف بين التجار الشماليين. ومن المرجح أن تستضيف تشاد وليبيا مقاتلي الدعم السريع الفارين، بينما لن تكون إثيوبيا وإريتريا قادرتين على دعم السودان سياسيًا أو اقتصاديًا. في هذا السياق، قد تصبح تركيا وروسيا حليفين رئيسيين للخرطوم إذا رغبت أي منهما في تعزيز نفوذها في شرق إفريقيا وحوض النيل.
 

 

هل ستسمح القوى الدولية لسودان جديد بالظهور؟

هناك مخاوف من أن بعض القوى الدولية قد لا تكون مستعدة للسماح للسودان بفك ارتباطه بالتحالفات مع الغرب. وقد تصبح العقوبات الدولية واقعًا يجب أن يأخذه السودان الجديد في الحسبان. ويعتقد المحللون أن السودان يجب أن يبدأ عملية إعادة الإعمار، وهي خطوة قد تعيق التحول الديمقراطي. ويتحدث البعض عن حاجة السودان إلى خمسة عشر عامًا على الأقل قبل أن يصبح جاهزًا للحكم المدني.

قد تبدأ عملية إعادة بناء النسيج الاجتماعي السوداني بسرعة، لكن الانقسامات السياسية المتجددة قد تؤدي إلى انقسامات خطيرة. وسيعتمد الحفاظ على وحدة السودان على وجود حكومة مركزية قوية، وسياسات فعالة لمكافحة التمرد، أو آلية تلبي تطلعات الشعب السوداني. وبدون مثل هذه الحكومة، قد يواجه السودان خطر تفكك مجتمعه بشكل كارثي.

https://www.middleeastmonitor.com/20250205-sudans-army-is-set-to-secure-a-new-peace-but-it-may-lead-to-a-new-wave-of-political-instability/