يروي طفل مصري قصة والده الذي يعاني من مرارة السجن قائلاً: "لأول مرة، يقضي والدي رمضان في الحبس الانفرادي".
هذا يعكس واقع السجون المصرية حيث يُحتجز مئات المعارضين، والأكاديميين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والصحفيين في الحبس الانفرادي لفترات طويلة، دون جدول زمني واضح للإفراج عنهم.
منذ الانقلاب على المنتخب محمد مرسي في 3 يوليو 2013، أصبح الحبس الانفرادي أداة ممنهجة ضد قادة جماعة الإخوان المسلمين، وأعضاء حركة 6 أبريل، والناشطين الليبراليين واليساريين.
تُستخدم هذه العقوبة بشكل متكرر ضد السجناء الذين يحتجون على ظروف الاحتجاز أو لإجبارهم على الاعتراف.
وبحسب منظمة العفو الدولية، فإن الحبس الانفرادي شائع في السجون المصرية، حيث يُحرم السجناء من التواصل الإنساني ويواجهون ظروفًا قاسية ولا إنسانية.
ورغم أن المادة 43 من قانون تنظيم السجون المصري لعام 1956 تحدد مدة الحبس الانفرادي بستة أشهر كحد أقصى، فإن السلطات تطبق هذا الإجراء إلى أجل غير مسمى.
معاناة السجناء في العزل
يمكن أن تؤدي ظروف الحبس القاسية إلى معاناة نفسية حادة، وأفكار انتحارية، ونقص حاد في الوزن، وتدهور صحي خطير.
ويصف المعتقل السابق محمد سيد تجربته في الحبس الانفرادي بأنها "موت بطيء ومؤلم"، حيث عاش في عزلة تامة، وكان يضطر إلى الحديث مع حارس السجن فقط للحفاظ على توازنه النفسي.
وتُفرض هذه العقوبة بشكل خاص على المعتقلين السياسيين المصنفين كـ"عناصر إرهابية"، حيث يتم احتجازهم 22 ساعة يوميًا في عزلة، مع فترة وجيزة للتمارين الرياضية.
ومن بين الشخصيات البارزة التي تعاني من هذا الوضع الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، البالغ من العمر 74 عامًا، والذي يقبع في الحبس الانفرادي منذ 2018، رغم تدهور حالته الصحية وإصابته بأزمات قلبية متكررة.
أما الداعية الإسلامي حازم أبو إسماعيل، فقد أمضى 12 عامًا متواصلة في الحبس الانفرادي منذ اعتقاله في 2013، حيث يُمنع من الزيارات أو التفاعل مع أي سجناء آخرين.
كما يعاني الدكتور عبد الخالق فاروق، الخبير الاقتصادي البالغ من العمر 67 عامًا، من عزلة تامة داخل مجمع سجن العاشر من رمضان، حيث يُحرم من أشعة الشمس ومنع من استخدام الأقلام والأوراق، مما أثر سلبًا على صحته.
انتهاكات ممنهجة
تشمل قائمة المحتجزين انفراديًا أيضًا وزير الشباب والرياضة السابق أسامة ياسين، ووزير التموين السابق باسم عودة، بالإضافة إلى كبار قادة الإخوان المسلمين، مثل المرشد العام محمد بديع (82 عامًا)، ونائبيه خيرت الشاطر (75 عامًا) ورشاد البيومي (90 عامًا).
في 2023، تم تسريب مقاطع فيديو تُظهر ظروفًا غير إنسانية داخل زنازين الحبس الانفرادي في سجن بدر بالقرب من القاهرة، إلا أن وزارة الداخلية المصرية نفت صحتها، مؤكدة أن جميع السجناء يتلقون رعاية طبية كاملة.
ومع ذلك، تواصل المنظمات الحقوقية الإبلاغ عن انتهاكات جسيمة داخل هذه السجون.
لا تنشر السلطات المصرية إحصائيات رسمية حول عدد المحتجزين في الحبس الانفرادي أو أوضاعهم، لكن منظمة العفو الدولية تصنف هذه الممارسات على أنها شكل من أشكال التعذيب.
دعوات للإصلاح
بموجب القواعد النموذجية للأمم المتحدة لمعاملة السجناء، يجب أن يكون الحبس الانفرادي تدبيرًا استثنائيًا لا يتجاوز 15 يومًا. ومع ذلك، يتم تطبيقه في مصر دون رقابة قضائية أو معايير واضحة.
يؤكد الخبراء القانونيون أن العزل المطول يؤدي إلى تدمير نفسي عميق للمعتقلين حتى بعد الإفراج عنهم. وقد أقرّ المجلس القومي لحقوق الإنسان في 2015 بأن "زنازين التأديب لا تلبي الحد الأدنى من معايير العيش".
ورغم تصريحات الحكومة المصرية بشأن تطوير السجون وفقًا للمعايير الدولية، إلا أن الواقع يشير إلى استمرار الحبس الانفرادي كأداة للقمع السياسي، دون أي بوادر إصلاح حقيقية.
https://www.middleeastmonitor.com/20250318-solitary-confinement-can-last-for-years-in-egypts-prisons