حالة من الغموض تخيم على المستقبل الاقتصادي لمصر تحت حكم قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، ومعدلات التضخم التي أصبحت مؤهلة لارتفاعات جديدة خلال الفترة المقبلة، خاصة بعد تراجع الجنيه أمام الدولار في الأيام الأخيرة، وفقده نحو 2.4% من قيمته خلال أسبوع واحد، متراجعًا من متوسط 50.5 جنيهًا إلى 51.75 جنيهًا للدولار، ووسط عودة المضاربات في السوق الموازية في ظل صعوبة تدبير الدولار لموردي مستلزمات الإنتاج والسلع الأساسية، إضافة للتطورات الاقتصادية العالمية.
التضخم لن يتراجع
ويتوقع الخبير الاقتصادي أحمد خزيم، أن يدفع تراجع الجنيه المستمر أمام الدولار إلى موجات غلاء جديدة، مؤكدًا أنه في ظل عدم وضوح الرؤية أمام الحكومة وبحثها عن حلول وقتية لمواجهة الأزمة الاقتصادية دون إعادة هيكلة شاملة للاقتصاد ووحدة الموازنة العامة وضبط الإيرادات السيادية وربطها بالمصروفات، فإن التضخم لن يتراجع مرة أخرى.
ويشير خزيم إلى التأثير الخطير الذي تحدثه الحرب الإسرائيلية على غزة، التي تشعل أجواء التوتر في المنطقة، وتعمق من اضطراب سلاسل التوريد وتراجع إيرادات قناة السويس، وكذلك الأثر السلبي الذي أحدثته رسوم ترامب الجمركية، متوقعًا زيادة أسعار الواردات ورفع تكلفة الصادرات، وتراجع أسعار النفط وإيراداته في دول الخليج تحديدًا، ما ينعكس بالسوء على سوق العمل هناك، وبالتالي تضرر المصريين في الخارج وتراجع تحويلاتهم بالعملة الصعبة، وفقًا لـ"العربي الجديد".
بدورهم، يؤكد اقتصاديون في مركز حلول للسياسات البديلة في الجامعة الأميركية بالقاهرة، أن انخفاض مستوى التضخم، على غرار ما حدث في شهري يناير وفبراير الماضيين، رغم أهميته يظل ظاهرة هشة طالما لم تلتزم الحكومة بإصلاحات هيكلية عميقة، تعالج الاختلالات المالية والحد من الاعتماد على الاقتراض الخارجي وتنويع الشراكات التجارية، لتحقيق استقرار مستدام، مشددين على ضرورة أن يكون نظام سعر الصرف مرنًا وتعزيز الإنتاجية المستهدف عنصرين أساسيين لضمان المرونة الاقتصادية على المدى الطويل.
بطء النشاط الاقتصادي
يشير خبراء المركز إلى أن أسعار الفائدة المرتفعة وانخفاض الأجور الحقيقية وضعف نمو الائتمان أسهما في إبطاء النشاط الاقتصادي، بما عزز انخفاض التضخم، قبل أن يعاود الصعود في مارس الماضي، بينما حافظ البنك المركزي على سعر الفائدة المرجعي عند 27.25% بما رفع تكاليف الاقتراض وحد من استثمارات القطاع الخاص، وخفض القروض إلى 45.3% من إجمالي الائتمان في يونيو 2024، مقابل 63% في الفترة نفسها من عام 2020، بما يعكس تقييد الوصول إلى رأس المال وتقنين الائتمان.
وقال خبراء في المركز إن ما شهدناه في أول شهرين من العام الجاري من تراجع التضخم عن المعدلات الهائلة الذي بلغ ذروته في سبتمبر 2023 بنسبة 38%، وفي فبراير 2024، عند 35.71%، تزامن مع ضعف القوة الشرائية وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي، اللذين أديا إلى تقليل الضغوط التضخمية.
وفقًا لحسابات الخبراء، تراجعت القدرة الشرائية للجنيه المصري بنحو 50%، خلال الفترة من 2016-2023، بينما بلغت الزيادة التراكمية في معدل التضخم من يناير 2023، إلى نفس الشهر من 2025 نحو 61.69%.
وشدد الخبراء على ضرورة التزام الحكومة بتقليص العجز المزدوج في حسابيها المالي والجاري لضمان نجاح سياسات كبح التضخم، خاصة بعد اتساع الحساب الجاري في جميع المعاملات الدولية بنهاية العام المالي الماضي 2023-2024 إلى 20.8 مليار دولار، وزادت حدته العام المالي الجاري (ينقضي بنهاية يونيو المقبل) مع انخفاض إيرادات قناة السويس، مشددين على ضرورة خفض الإنفاق العام على المشروعات الكبيرة التي تعتمد على مدخلات مقومة بالدولار، للسيطرة على التضخم.
سلة عملات
ويعزز العجز التجاري الذي بلغ 41.7 مليار دولار عام 2024، مدفوعًا بزيادة الواردات إلى 84.35 مليار دولار، وصادرات بنحو 43 مليار دولار، من مطالبة الخبراء للحكومة بالتخلي عن ربط الجنيه بالدولار منفردًا، لتخفيف الضغوط التضخمية والتشوهات الاقتصادية المزمنة والحد من التقلبات الحادة التي تحدث نتيجة التراجع الكبير، للجنيه مقابل الدولار، لافتين إلى ضرورة تبني سلة عملات تضمن الدولار واليورو واليوان، لتعكس قوة عملات كبار الشركاء التجاريين لمصر، الإمارات والولايات المتحدة والسعودية والصين وألمانيا، بما يحد من مخاطر تقلبات العملة الواحدة، ويعزز الاستقرار النقدي، ويزيد من قدرة الاقتصاد على امتصاص الصدمات الخارجية بشكل أكثر كفاءة.
رصد خبراء المركز المصري للدراسات الاقتصادية ارتفاعًا خلال الربع الأول من العام، استمرار تدهور مؤشرات الإنتاج والمبيعات المحلية ومستوى استغلال الطاقة الإنتاجية بالشركات بسبب التضخم، وارتفاع تكاليف الإنتاج والطاقة والمياه بالإضافة إلى اضطراب توريد المواد الخام المستوردة، بسب التوترات الجيوسياسية وتراجع حركة الملاحة في البحر الأحمر، واضطراب حركة الشحن العالمي، وارتفاع الفوائد ونقص التمويل وعجز رأس المال العامل وتأخر الحكومة في صرف دعم الصادرات للمنتجين، وتعدد الأوعية الضريبية والرسوم التي تدفع بالمنافذ الجمركية.
وسجل مؤشر مديري المشتريات الصادر عن مؤسسة ستاندرد آند بورز جلوبال، عن مارس الماضي، استمرار ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج للشهر الـ58 على التوالي، مشيرًا إلى حالة عدم اليقين في مستقبل أداء الاقتصاد بسبب الضغوط التضخمية التي تدفع المستهلكين إلى خفض الطلب والشركات إلى تحجيم الإنتاج.