تصاعدت الانتهاكات الواسعة والممنهجة بحق المعتقلين السياسيين في سجن بدر 3، التي تنفذها الأجهزة الأمنية في الآونة الأخيرة، عبر حملات تجريد وتغريب قسري واعتداءات بدنية ولفظية ونفسية وإجراءات تنكيلية تنتهك الحقوق الدستورية والإنسانية بشكل صارخ، لتعلن أسرة الرئيس الشهيد الدكتور «محمد مرسي» دخول نجلها المحامي «أسامة مرسي»، المعتقل منذ عام 2016، في إضراب كلي عن الطعام منذ نحو أسبوعين، بسبب استمرار حرمانه من الزيارة والعلاج والتريض والاختلاط بأي بشر.

ولم يكن أسامة مرسي وحده هو من دخل في إضراب مفتوح، حيث تزامن إضرابه مع بدأ عدد من المعتقلين في سجن بدر 3 إضرابًا مفتوحًا عن الطعام منذ 20 يونيو 2025، وسط تصاعد محاولات الانتحار داخل السجن، والتي بلغت 15 محاولة خلال أقل من أسبوعين، في مشهد يعكس تدهورًا غير مسبوق في الأوضاع الإنسانية داخل السجن.

 

توثيق حالة وفاة بالانتحار

أقدم المعتقل في سجن بدر 3 ، علاء جمال، البالغ من العمر 29 عامًا من محافظة المنيا، على الانتحار بعد تعرّضه للتنكيل ومنع الزيارة والاستيلاء على مقتنياته، حسب مركز «الشهاب لحقوق الإنسان».

وقال المركز إن المعتقل انتحر داخل زنزانته في سجن بدر 3 في منتصف أبريل، بعد تعرضه لسلسلة من الانتهاكات من قبل إدارة السجن.

ولفت في بيانه الى إن الضابط المسؤول في جهاز الأمن الوطني ويدعى مروان حماد، منع الزيارة عن المعتقل لفترة طويلة، ما دفع علاء إلى تهديده بالانتحار في حال استمرار هذا الإجراء. 

وبناءً على ذلك، سُمح له بالزيارة مؤخرًا، إلا أن الضابط ذاته رفض إدخال الأطعمة والمستلزمات التي جلبها له ذَووه عقب انتهاء الزيارة.

وتابع المركز: في تصعيد من إدارة السجن، وُضع علاء جمال في الحبس الانفرادي بعد تهديده مجددا بالانتحار احتجاجا على منع دخول متعلقاته، وفي صباح اليوم (أمس) تم العثور عليه مشنوقًا داخل زنزانته.

أضاف: عقب انتشار الخبر بين باقي المعتقلين، اندلعت حالة من الغضب داخل السجن، وأعلن المعتقلون على إثرها الدخول في إضراب عام، وأقدم بعضهم على إشعال النار في البطاطين. وتواردت الأنباء عن أن وزارة الداخلية بدأت في استدعاء قوات التدخل السريع للتعامل مع حالة التمرد داخل السجن.

وطالب المركز الحقوقي النائب العام بضرورة فتح تحقيق في واقعة الوفاة، ومحاسبة المتسبب، خاصة وأن الانتهاكات في سجن بدر 3 زادت بصورة كبيرة وارتفت أعداد الوفيات فيه.

https://www.facebook.com/elshehab.ngo/posts/1067703788737401?ref=embed_post

 

تزايد أعداد الانتحارات

هذه ليست محاولته الأولى للانتحار، أو محاولة أولى لشخص بعينه فهناك العشرات يحاولن الانتحار وفي إحدى المرات قد تصيب المحاولة، كما أصابت علاء وسنستيقظ على خبر وفاة جديدة.

وتشير منظمات حقوقية ومحامون إن العشرات من المعتقلين حاولن الانتحار خلال الأسابيع الماضية، اعتراضا على تعرضهم "للتعذيب وعدد من الانتهاكات"  بسجن "بدر 3"، بينما تنفي السلطات المصرية هذه التهم.

على مدار الأشهر الماضية، تكررت شكاوى سجناء من منع الزيارة وعاملة سيئة وحبس انفرادي وتجريد.

وتشكو بعض الأسر من تعرض ذويها للضرب في سجن بدر 3، عقابا على تغطية بعض السجناء كاميرات المراقبة داخل محبسهم.

ووفقا لمحامين، منع نزلاء سجن بدر 3 بالكامل من الزيارات منذ نقلهم إلى هناك ، دون سبب واضح، بينما سمحت السلطات بالزيارة لمعظم سجناء السجنين الآخرين داخل "مركز بدر للإصلاح والتأهيل".

وتخلق هذه الظروف ضغوطا قاسية على السجناء، بحسب الباحثة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والاجتماعية، ماريان سيدهم، فتقول: "السجناء يشعرون أنهم في مستشفى للأمراض العقلية، ويجب أن يكونوا تحت الملاحظة طوال الوقت".

وتنتقد ماريان ما تصفه باختلاف معاملة السجناء قائلة: " البعض يتشابهون في الوضع القانوني ويحبسون في نفس المكان، ومع ذلك يحصل كل منهم على حقوقه بطريقة مختلفة، كلٌ على حسب ملفه الأمني، والموافقات الأمنية على كل حق منفرد، وكأن السجن بلا قانون وبلا لائحة".

 

3 انتهاكات تقود للانتحار

ومهما كانت أعداد محاولات الانتحار فإنها لا تنفي الانتهاكات والتعذيب والمعاملة غير الآدمية التي يتعرض لها المعتقلون داخل السجون المصرية، حيث وثقت المنظمات الحقوقية العديد من الانتهاكات والتعذيب والمخالفات القانونية التي يتعرض لها المعتقلون.

وقال مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان خلف بيومي في تصريحات، إن أعداد المعتقلين تزايدت بشكل كبير منذ 2013، تعرض خلالها المعتقلون للعديد من الانتهاكات، مشددا على أنه "لولا أن المعتقلين سياسيون ومحبوسون في قضايا رأي وأغلبهم مثقفون وغالبيتهم من الإسلاميين لزادت نسبة محاولات الانتحار بشكل كبير وملحوظ".

وأضاف مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان أن المعتقل في مصر يتعرض لانتهاكات عديدة سواء خلال الاعتقال أو بعد خروجه من المعتقل، ما يؤدي إلى وصول المعتقل إلى هذا الشعور.

وتابع بيومي بأنه "داخل المعتقل هناك ثلاثة انتهاكات شديدة وأساسية قد تؤدي إلى تفكير المعتقل في إنهاء حياته وهي:

أولا: منع الزيارات، حيث إن منع الزيارات يتسبب في عزلة المعتقل عن العالم الخارجي بشكل كامل، إذ تعتبر الزيارة بالنسبة للمعتقل كالنزهة التي يرى فيها دنيته الخارجية، حيث يتمكن من رؤية أهله، ويعرف ما يدور بالخارج.

ثانيا: الإهمال الطبي، إذ يشهر المعتقل أن حياته في طريقها للنهاية، ويتعرض للموت البطيء خلف القضبان، والتي ستودي بحياته عاجلا أم آجلا.

ثالثا: فقدان العدالة، حيث يفقد المعتقل الأمل في تحقيق العدالة والإفراج عنه، أو تنفيذ الإجراءات القانونية، فعلى سيبل المثال وضع القانون مدة زمنية للحبس الاحتياطي، ولكن المعتقل يظل لسنوات محبوسا احتياطيا دون مراعاة القانون، ما يفقده الأمل في الاستمرار في الحياة، إذ إنه لا يعرف متى سيخرج من هذا النفق المظلم. 

وأضاف بيومي أن المعتقل بعد خروجه من السجن يتعرض لانتهاكات أخرى تشعره بعدم الأمان في الحياة، حيث يتم تدويره في قضايا أخرى أو المتابعة الأمنية في الأقسام، كما أنه يتعرض للاعتقال مجددا.

 وخلال السنوات الماضية، انتشرت تسريبات لمقاطع مصورة عبر كاميرات المراقبة الخاصة بمجمع "سجون بدر" في مصر، حيث يحتجز عدد من المعتقلين السياسيين.

وأظهرت المقاطع الأوضاع السيئة التي يقضي فيها السجناء فترة محكوميتاهم، في انعدام تام لظروف الراحة والنظافة أو حتى الخصوصية، وفي زنازين انفرادية لا يغادرونها تقريبا طوال ساعات اليوم.

وفي  العام الماضي، اشتكى أهالي معتقلين مصريين، بينهم زوجات صحفيين، من تصاعد حملات التفتيش والتضييق على الزيارات وعمليات التفتيش الواسعة لغرف احتجاز المعتقلين في سجن "بدر 3"، فيما أكدت منظمات حقوقية، أن سلطات أمن السجون تفرض حصارا كاملا على المعتقلين عبر حملات التفتيش، ومنع الزيارات.

 

تاريخ من الانتهاكات

ويعاني السجناء داخل مركز إصلاح وتأهيل بدر 3 منذ بدء نقلهم في يونيو 2022 من العديد من الانتهاكات شبه المستمرة بداية من كاميرات المراقبة المثبتة في كل زاوية من زوايا السجن، بما في ذلك داخل الزنازين، وبالتبعية تفرض إدارة السجن مراقبة دائمة تقلّص التفاعل البشري إلى حدّ شبه كامل".

يُضاف إلى ذلك تحكُّم الإدارة في الإضاءة، حيث تُبقيها قيد التشغيل على مدار الساعة دون انقطاع. كما يعاني بعض السجناء بوجه خاص داخل بدر (3) من عزلة شبه تامة، بسبب المنع من الزيارات لسنوات طويلة قد ت[صل للعشر سنوات، بالإضافة إلى استخدام تقنية المحاكمات عن بعد (الفيديو كونفراس) والتي عمقت من عزلة السجناء عن العالم الخارجي، خصوصًا أولئك الذين حرموا من الزيارات. 

إذ كانت جلسات تجديد الحبس تمثّل لهم المتنفّس الوحيد لرؤية العالم خارج السجن، وفرصة التواصل المباشر مع محاميهم، الذين ينقلون بدورهم تطورات أوضاعهم إلى ذويهم لطمأنتهم".

ودائمًا ما يجد السجناء هامشًا للمقاومة رغم عنف إدارات السجون. ففي مركز بدر 3، ومنذ بدء نقل السجناء إليه، خاض السجناء أكثر من ثلاث إضرابات عن الطعام احتجاجًا على الانتهاكات المستمرة وظروف الاحتجاز غير الإنسانية".

يُشار إلى أن سجن بدر، مقسم لثلاثة سجون: (بدر 1) للمعتقلين السياسيين غير الخطرين، و(بدر 2)، للجنائيين، أما (بدر 3) فللمعتقلين المصنّفين على أنّهم خطر على الدولة، وهذه تصنيفات الأجهزة الأمنية، وعناصرها الساديين.

وداخل مقبرة بدر، تتصاعد الأزمات القاتلة يتعرض لها المعتقلون منها التكدس بالزنازين، وأزمة تلوث مياه الشرب، وانسداد مجرى الصرف الصحي وخروج المياه والروائح الكريهة.