في وقت صعد فيه رئيس بنما لهجته رداً على تصريحات خطيرة أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن قناة بنما، التزم عبد الفتاح السيسي صمتاً مدوّياً تجاه مطالب مشابهة طالت قناة السويس، أحد أهم رموز السيادة المصرية، ما أثار موجة من الانتقادات والاستغراب في الأوساط المصرية والعربية. بنما ترد بقوة... ومصر تكتفي بالصمت رفض رئيس بنما، خوسيه راؤول مولينو، بشدة تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي قال في خطاب تنصيبه أمام الكونغرس إن "الولايات المتحدة ستستعيد قناة بنما"، مشدداً على أن بلاده أنفقت الكثير من الأموال وخسرت العديد من الأرواح في سبيل إنشائها. مولينو، في منشور واضح وصريح عبر منصة "إكس"، قال إن "القناة بنمية وستبقى كذلك"، مضيفاً أن بنما تدير هذا الممر البحري الحيوي بروح من المسؤولية تجاه العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها، ومشدداً على أن السيادة البنمية "غير قابلة للتفاوض". كما نفى الرئيس البنمي أي تأثير صيني أو أجنبي على القناة، مؤكداً أن كل متر منها هو "ملك لبنما وسيبقى كذلك"، وكرّر تمسك بلاده بإدارة القناة بحيادية دائمة. في المقابل، لم يصدر عن الرئاسة المصرية أي موقف رسمي مباشر بشأن تصريحات ترامب التي طالب فيها بمنح السفن العسكرية والتجارية الأميركية حق العبور المجاني في قناة السويس، مدعياً أن الولايات المتحدة هي صاحبة الفضل في وجود القناتين (السويس وبنما)، ومعلناً عن نية إدارته السعي لتحقيق هذا "الحق"، على حد زعمه. "الديكتاتور المفضل" يلتزم الصمت وفي مشهد بدا متناقضاً ومخجلاً، تصاعدت حدة الانتقادات لترامب في بنما، بينما غاب أي رد من عبد الفتاح السيسي، الذي ارتبط بعلاقة شخصية توصف بـ"الخاصة" مع ترامب، حيث سبق أن وصفه الأخير مازحاً بـ"ديكتاتوره المفضل" خلال لقاء بقمة السبع عام 2019. السيسي، الذي سارع إلى تهنئة ترامب بعد إعلان فوزه بالرئاسة مؤخراً، لم يعلّق على مطالبه المهينة لمصر بشأن قناة السويس، رغم أن تلك القناة تشكل ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد والسيادة المصرية، وتُدرّ مليارات الدولارات سنوياً. وفيما اكتفى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بتصريحات عامة خلال اجتماع مع مسؤولي قناة السويس، حول أهمية المنطقة الاقتصادية، لم تتطرق أي جهة رسمية إلى رفض صريح أو حتى تعليق مباشر على تصريحات ترامب، التي وصفتها وسائل الإعلام بأنها "ابتزاز" و"انتهاك للقانون الدولي". قناة السويس... هدف أميركي جديد؟ تزامنت تصريحات ترامب مع حالة من التراجع الكبير في إيرادات قناة السويس، إثر تحويل مسارات السفن الدولية بعيداً عنها بسبب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، ما جعل القناة تمر بواحدة من أسوأ أزماتها المالية منذ عقود. ووفق بيانات رسمية، خسرت مصر ما يقرب من 7 مليارات دولار في الأشهر الماضية بسبب هذا التراجع، بعدما كانت القناة تحقق إيرادات فاقت 10 مليارات دولار في 2023. وأقر السيسي بنفسه بأن بلاده تخسر نحو 800 مليون دولار شهرياً بسبب الأزمة. في هذا التوقيت الحرج، جاءت تصريحات ترامب كمحاولة لفرض وصاية على القناة تحت غطاء حماية المصالح الأميركية، في تكرار لسياسته التوسعية القديمة التي تشمل السيطرة على الممرات الدولية بدعوى "الأمن القومي". الغضب الشعبي في مواجهة الغياب الرسمي رداً على تصريحات ترامب، أطلق ناشطون مصريون وسماً بعنوان "قناة السويس خط أحمر"، تصدّر التريند على منصة "إكس"، وطالب المغردون برد رسمي قوي من الدولة المصرية يؤكد السيادة الكاملة على القناة ويرفض أي ابتزاز أو مساومة. وأكد ناشطون أن قناة السويس لم تُبنَ بأموال أميركية، بل حفرت بأيادٍ مصرية، بعكس قناة بنما التي بنتها الولايات المتحدة واحتفظت بإدارتها حتى عام 1999. وشددوا على أن قناة السويس لا تخضع لأي نفوذ خارجي، ولا يمكن التفريط في سيادتها. الدلال السياسي.. ثمنه الصمت؟ يثير هذا الصمت الرسمي تساؤلات حادة حول طبيعة العلاقة بين السيسي وترامب، ومدى تأثير الدعم الأميركي على الموقف السياسي المصري. إذ تتلقى القاهرة مساعدات عسكرية واقتصادية سنوية تبلغ نحو 2.1 مليار دولار منذ توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل عام 1979. وفي حين تعتبر بنما تصريحات ترامب اعتداءً على السيادة وترد بوضوح وصرامة، تلوذ القاهرة بالصمت، ربما خوفاً من المساس بـ"الدكتاتور المفضل" أو تفادياً لتوتر مع إدارة قد تعود إلى البيت الأبيض في نوفمبر المقبل.