عاد ملف السيادة على جزيرتَي تيران وصنافير إلى واجهة الجدل الإعلامي والسياسي في مصر، بعد تقارير صحافية تحدثت عن عرض سعودي بإقامة قاعدة عسكرية أميركية فيهما. هذا التطور أعاد تسليط الضوء على سلسلة تعقيدات متراكمة منذ توقيع اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية عام 2016، بما في ذلك موقف معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، ووضع القوات الدولية، وحدود الدور المصري، وسط انقسام متجدد بين الروايتين الرسمية والشعبية بشأن طبيعة السيطرة الفعلية على الجزيرتَين حتى اليوم. من السيادة القانونية إلى السيطرة الفعلية من الناحية القانونية، تشير الوثائق الرسمية وتصريحات الحكومة المصرية إلى أن السيادة على تيران وصنافير انتقلت إلى السعودية عقب توقيع الاتفاقية التي صادق عليها البرلمان وأودِعت لدى الأمم المتحدة في 2017، لتمنح المملكة السيادة القانونية المعترف بها دولياً. لكن فعلياً، لا تزال هناك أسئلة مفتوحة حول تنفيذ الخطوات الميدانية الكاملة، في ظل تضارب التصريحات بشأن انسحاب قوات حفظ السلام الدولية التابعة للولايات المتحدة. وقال أستاذ القانون الدولي وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أيمن سلامة، إن "السعودية مارست سيادتها الفعلية على الجزيرتين منذ عامين، حين طلبت من قوة حفظ السلام الدولية (MFO) الانسحاب من جزيرة تيران، وقد استجابت المفرزة البحرية التابعة للقوة وانسحبت فعلياً من الجزيرة"، مضيفاً أن "القوة الدولية تواصل حالياً مراقبة الملاحة في مضيق تيران من داخل الأراضي المصرية بعد التنسيق مع القاهرة". لكن هذا التصريح يتعارض مع تقارير صحافية أمريكية، أبرزها ما نشره موقع Axios، والتي أكدت أن قوات حفظ السلام لم تغادر الجزيرة فعلياً، لأسباب تتعلق بطلبات مصرية غير منفذة، منها تسليم معدات أميركية متعلقة بطائرات F-16، وأيضاً تحفظات إسرائيلية على آلية مراقبة المضيق باستخدام كاميرات من الجانب المصري. إسرائيل وقيود معاهدة السلام أهمية الجزيرتَين لا تقتصر على موقعهما الاستراتيجي عند مدخل خليج العقبة فقط، بل تمتد إلى مكانتهما داخل ترتيبات المنطقة "ج" المنزوعة السلاح وفق معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة عام 1979. وبحسب الاتفاقية، فإن أي تغيير في وضع جزيرة تيران يتطلب توافقاً ثلاثياً بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة، نظراً لحساسيتها الأمنية وضمان حرية الملاحة في المضيق المؤدي إلى ميناءي العقبة الأردني وإيلات في فلسطين. وتشترط إسرائيل وجود ترتيبات دقيقة، من ضمنها استمرار الرقابة الدولية وضمانات بعدم نشر قوات مصرية أو أجنبية بشكل دائم، وهو ما يفسر التحفّظ الإسرائيلي على بعض جوانب ترتيبات الانسحاب. طعن قانوني جديد رغم غلق الملف دستورياً وسط هذا الغموض، تقدّم المحامي علي أيوب وزملاؤه بدعوى قضائية عاجلة أمام محكمة القضاء الإداري، طعناً على القرار الجمهوري بالموافقة على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، رغم صدور حكم نهائي من المحكمة الدستورية العليا سابقاً بوقف الطعون. ورغم ضعف الموقف القانوني الجديد، أعادت الدعوى تسليط الضوء على الفارق بين السيادة القانونية، التي تُنقل بالاتفاقيات الدولية، والسيطرة الفعلية التي تُمارَس على الأرض. تصريحات مثيرة وتضارب في المواقف أثار اللواء المتقاعد سمير فرج، أحد المقربين من دوائر القرار في مصر، بتصريح قال فيه إن "مصر لا تزال تمارس السيطرة على الجزيرتَين"، وهو ما يتناقض مع الرواية الرسمية التي تروّج لتسليم السيادة الفعلية للسعودية. وفي المقابل، أكدت مصادر رسمية مصرية نفيها القاطع لما نُشر حول إقامة قاعدة عسكرية أميركية في الجزيرتَين بالتعاون مع الرياض، معتبرة ذلك "شائعات تهدد الأمن القومي"، مع التشديد على رفض أي وجود عسكري أجنبي دائم.