في إحدى كومباوندات مدينة 6 أكتوبر، لم تكن جثث الكلاب الملقاة في الطرقات مجرد مشهد صادم لعشاق الحيوانات، بل كانت بداية أزمة قانونية وصحية كبرى بعد اتهام سكان لسيدة بتسميم الحيوانات الأليفة، ما أدى لإصابة أحدهم بمواد سامة محظورة دوليًا، وسط مطالبات بفتح تحقيق واسع في الواقعة.

تعود جذور الحادثة إلى الخميس الماضي حين تداول سكان الكومباوند مقاطع فيديو تُظهر كلابًا مسممة تنزف دمًا في الطرقات، من بينها كلاب مملوكة لسكان ومطعّمة رسميًا ضمن حملات وطنية لمكافحة السعار.

الحدث أثار ذعر السكان وغضب المدافعين عن حقوق الحيوان، وأعقبه موجة بلاغات رسمية للنيابة العامة والشرطة ضد إحدى الساكنات، التي قال شهود إنها اعترفت علنًا بارتكاب الواقعة.

 

من "التطعيم الجماعي" إلى "المجزرة"
   "قررنا نشتغل على حل جماعي، تطعيم وتعقيم الكلاب بدل التسميم"، يقول محمد عادل، أحد السكان، الذي كاد يفقد حياته بعد تعرضه للسم أثناء محاولته إزالة الطعام المسمم من الطرقات لحماية الأطفال.

ويضيف: "الكومباوند بلا سور، وكلاب الشارع عادت إليه بعد سنوات، فبالتعاون مع جمعيات الرفق بالحيوان طعّمنا أكثر من 60 كلبًا الشهر الماضي، لتحقيق هدف مصر في القضاء على السعار بحلول 2030".

لكن ما حدث لاحقًا نسف هذه الجهود. "فوجئنا بكلاب مطعّمة، بعضها مملوك لسكان، تتلوى وتموت ببطء في الطرقات، بينها جولدن ريتريفر ولابرادور.. وعندما جمعت بقايا الطعام المسمم جُرحت يدي، وبعد دقائق بدأت تظهر عليّ أعراض التسمم"، بحسب عادل، الذي نُقل إلى القصر العيني في حالة حرجة وأثبتت التقارير الطبية تعرضه لسم محظور دوليًا.

 

بلاغات جماعية وتهم بـ"الشروع في القتل"
   حرر عادل محضرًا في قسم شرطة ثالث أكتوبر حمل رقم 2932 لسنة 2025 ضد إحدى الساكنات، التي ظهرت في مقطع فيديو تعترف فيه صراحة بتسميم الكلاب.

لاحقًا، وجهت النيابة العامة إليها تهمة "الشروع في القتل"، وطلبت تشريح جثث الكلاب لتحديد نوعية السم المستخدم.

في المقابل، قال عمر سامي، عضو جمعية "رفق" لحماية الحيوان، إن الحملة التطوعية لتطعيم الكلاب نُفذت بمشاركة جمعيات وسكان متطوعين، وتم خلالها تعقيم وتطعيم الكلاب وتثقيف السكان حول أهمية الرفق بالحيوان.

وأضاف: "كل ده ضاع في لحظة بسبب استخدام سم شديد الخطورة، غالبًا الأستركنين، الممنوع دوليًا، ويسبب نزيفًا داخليًا سريعًا للكلاب وحتى البشر".

سامي أكد أن البلاغ الجماعي الثاني حمل رقم 2933 لسنة 2025 ضد السيدة نفسها، مرفقًا بتقارير بيطرية وشهادات سكان ووثائق تؤكد تسجيل الكلاب وتطعيمها رسميًا.

السم في البلكونة.. والسكان يتهمون الإدارة بالتقاعس
"كلبتي عمياء وعجوزة ومرخصة، ماتت مسمومة على بلاط بلكونة منزلي"، تقول المهندسة منة الله محمد، إحدى المتضررات، للمنصة.

وتضيف: "ألقي السم في بلكونتي بالدور الأرضي، وعدت من عملي لأجد الكلبة ميتة ووالدتي تعاني من آثار استنشاق السم".

منة الله حررت محضرًا ثالثًا رقم 2952 لسنة 2025 وأكدت أن القضية لن تُغلق إلا بمحاسبة المتسببين.

واتهم عدد من السكان إدارة الكمباوند بالتقاعس عن حماية السكان والحيوانات، بعد رفض مطالبهم المتكررة ببناء سور يقي من دخول الكلاب الضالة.

ويقول عادل: "منذ عامين، قُتل أكثر من 150 كلبًا بالسم نفسه، ومع ذلك لم تتحرك الإدارة رغم مخاطبة الطب البيطري رسميًا لاستخدام الأستركنين".

"الأستركنين": سمّ قاتل محظور يستخدم رغم التحذيرات
وفق وثيقة، خاطبت شركة صيانة الكمباوند مديرية الطب البيطري في أبريل 2023، تطلب فيها استخدام الأستركنين لمكافحة الكلاب الضالة.

علماً أن هيئة مفوضي مجلس الدولة أوصت في 2021 بوقف استخدامه نظرًا لتأثيره القاتل على الحيوانات والتربة وصحة الإنسان.

والأستركنين مادة سامة تدخل الجسم عبر الفم أو التنفس أو الجروح، ويؤدي تعرض الإنسان لها إلى اضطرابات عصبية وتشنجات حادة، وقد يكون قاتلًا في حالات كثيرة، بحسب أطباء السموم.

 

ردود فعل قانونية ومجتمعية
   قانونيًا، ينص الدستور المصري في مادته 45 على وجوب الحفاظ على الحيوان والرفق به.

كما تجرم المادتان 355 و357 من قانون العقوبات التعدي على الحيوانات أو قتلها عمدًا دون مبرر، وتصل العقوبات للحبس 6 أشهر.

وقال المحامي البيئي أحمد سالم: "ما حدث ليس مجرد تعدٍ على الحيوان، بل جريمة بيئية وصحية مكتملة الأركان، وقد تُصنَّف ضمن القتل غير العمد حال ثبوت تعمد استخدام السم في منطقة سكنية مأهولة، مع إصابة بشرية مثبتة".

من جانبه، طالب سكان الكمباوند بفتح تحقيق شامل في وقائع التسميم السابقة، وتوقيع عقوبات صارمة على الجناة، خاصة أن الأمر مسّ صحة الأطفال وكبار السن.