رغم إعلان هيئة قناة السويس في 14 مايو الجاري عن خفض رسوم عبور سفن الحاويات بنسبة 15%، في خطوة تهدف إلى تشجيع عودة الخطوط الملاحية الكبرى لاستخدام الممر الملاحي الحيوي، إلا أن تقارير اقتصادية دولية أبدت شكوكًا قوية في جدوى هذه الخطوة على المدى القريب.
ويرجع ذلك إلى عاملين رئيسيين لا يزالان يشكلان عقبة أمام عودة حركة الشحن العالمية إلى طبيعتها في البحر الأحمر، أولهما استمرار هجمات الحوثيين على السفن التجارية، ما يجعل الملاحة محفوفة بالمخاطر، وثانيهما أن المنطقة، بما فيها قناة السويس، لا تزال مصنّفة ضمن المناطق عالية الخطورة من قبل عدد من شركات التأمين العالمية، ما يرفع من تكلفة التأمين بشكل كبير على السفن العابرة.
البحث عن الثقة الملاحية
رغم أن خفض الرسوم خطوة إيجابية على الصعيد التسويقي والتنافسي، إلا أنها لن تكون كافية وحدها لاستعادة الثقة الملاحية في قناة السويس، طالما بقيت التهديدات الأمنية قائمة. فشركات الشحن الكبرى تعتمد على حسابات دقيقة تجمع بين الكلفة والضمانات الأمنية، وإذا ظل ممر البحر الأحمر في مرمى التوترات السياسية والعسكرية، فإن الملاحة ستستمر في تفضيل طرق بديلة كطريق رأس الرجاء الصالح، رغم طوله وتكاليفه الأعلى.
من ثم، فإن التعافي الكامل لحركة عبور السفن لا يرتبط فقط بالحوافز الاقتصادية، بل يتطلب ضمانات أمنية واستقرارًا إقليميًا يعيدان الطمأنينة لشركات التأمين والملاحة على حد سواء.
ونقلت وكالة إيكوفين ECOFIN الاقتصادية السويسرية، عن خبراء، يوم 14 مايو، تأكيدهم أن عودة حركة الملاحة في القناة بكامل طاقتها "تتطلب انخفاض أقساط التأمين"، إذ إن ممر قناة السويس لا يزال مدرجًا في قائمة المخاطر العالية لدى العديد من شركات التأمين.
وفي سبتمبر الماضي، ذكر مراقبون أن أقساط التأمين على أخطار الأمن للسفن المبحرة في منطقة البحر الأحمر وقناة السويس ارتفعت إلى 2% من قيمة السفينة، بعدما كانت 0.7% في وقت سابق.
شرط عودة الهدوء
ويعتقد المراقبون أن استعادة التدفقات عبر قناة السويس قد تُسهم أيضًا في استقرار تكاليف الشحن العالمية وتحسين هوامش ربح شركات الشحن، وفق وكالة إيكوفين، وهذا بدوره قد يُخفف من تضخم أسعار السلع المستوردة، لكن بشرط عودة الهدوء للمنطقة وعودة السفن للقناة.
إذ إن تحول السفن للمرور حول جنوب أفريقيا، لتجنب البحر الأحمر، قد أضاف ما يصل إلى 12 يومًا إضافيًا لوصول الشحنات، مما أدى إلى تأخير عمليات التسليم وارتفاع أسعار الشحن.
وقد وجدت دراسة أجرتها الأونكتاد في يوليو الماضي، أن الأسعار قد تضاعفت على بعض الطرق بسبب هذه التحويلات.
وكان رئيس قطاع النقل البحري الأسبق ورئيس غرفة الملاحة في السويس والبحر الأحمر، عبد القادر جاب الله، قال لنشرة "إنتربرايز" يوم 18 مايو الجاري إن "تخفيضات الرسوم لا مبرر لها ولن تعيد التوكيلات الملاحية قبل أن تتوقف جماعة الحوثيين عن تهديداتها في المنطقة".
وأضاف أن ارتفاع تكلفة التأمين على السفن العابرة من قناة السويس أحد أهم الأسباب التي قد تبعد التوكيلات الملاحية عن العودة قريبا إلى القناة، والتي قفزت بصورة كبيرة جدا أعلى من نسب التخفيض.
منطقة عالية المخاطر
وقال موقع شركة الخدمات البحرية اللوجستية "ترانس إنفو" ومقرها بولندا، يوم 15 مايو الجاري، إن رئيس هيئة قناة السويس التقى ممثلين عن شركات الشحن، لحثهم على العودة للمرور في القناة، لكنهم طالبوا بحوافز مؤقتة للمساعدة في تعويض ارتفاع تكلفة تأمين السفن العاملة في البحر الأحمر، الذي يعتبرونه منطقة عالية المخاطر.
وأشار إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين، مقابل تعليق الهجمات على السفن الأميركية، لا يشمل السفن التي ترفع العلم الإسرائيلي أو غيرها المتجهة لإسرائيل، يجعل شركات الشحن الكبرة لا تزال مترددة في العودة، وإن كان البعض يفكر في العودة وينتظر.
اشتكت مصر من رفض السفن العالمية العودة لقناة السويس منذ أزمة قصف الحوثيين لإسرائيل وسفن إسرائيلية وغربية رغم تراجع تهديد الحوثيين للسفن وأشارت إلى أن هذا يكبدها خسائر باهظة.
وأعلنت هيئة قناة السويس أنها ستقدم خصمًا بنسبة 15% على رسوم عبور سفن الحاويات التي لا تقل حمولتها الصافية عن 130 ألف طن متري، ويهدف هذا التخفيض إلى تشجيع مالكي السفن على العودة إلى القناة، مع تحسن الوضع الأمني على طول الممر.
وحسب بيان صادر عن هيئة ميناء الحاويات، سيتم تطبيق الخصم لمدة 90 يوماً اعتباراً من 15 مايو الجاري على سفن الحاويات المؤهلة. ومنذ ديسمبر 2023، عدلت شركات الملاحة العالمية مسارها للدوران من رأس الرجاء الصالح بدلًا من قناة السويس، لتجنب هجمات مسلحة نفذتها جماعة الحوثي اليمنية ضد السفن، ردًا على التصعيد العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة.
قصف الحوثيين وتهاوي الإيرادات
ولا تزال شركات الشحن البحري الكبرى، خاصة "ميرسك العالمية" ترفض مرور سفنها من قناة السويس خشية قصف الحوثيين لها خاصة أن بعضها يمر عبر موانئ إسرائيل.
وحسب بيانات رسمية، انخفضت إيرادات عبور قناة السويس بنسبة 62.3% على أساس سنوي لتصل إلى 1.8 مليار دولار، خلال النصف الأول من السنة المالية 2024/ 2025، مقابل نحو 4.8 مليارات دولار خلال نفس الفترة من السنة المالية السابقة بسبب الاضطرابات الجيوسياسية المشهودة في البحر الأحمر، التي دفعت السفن إلى تغيير مسارها بعيدا عن القناة، وانخفضت الحمولة الصافية بنسبة 69.2% وتراجعت أعداد السفن العابرة بنسبة 52.2%، وفق تقارير الشحن العالمية.
وتخسر مصر 800 مليون دولار شهريًا من إيرادات القناة، وتسعى الحكومة إلى استعادة حركة المرور والوصول إلى 13 مليار دولار من الأرباح بحلول عام 2025، وفق وكالة "إيكوفين" الاقتصادية، وهو هدف بعيد المنال الآن ما لم تشهد حركة المرور انتعاشًا حادًا.
ويمر عبر قناة السويس نحو 10% من حركة التجارة العالمية، وتعتمد عليها القاهرة لتأمين العملة الأجنبية، بلغت إيراداتها في عام 2023 نحو 9.4 مليارات دولار.