أعلنت حكومة الانقلاب المصرية، في يونيو 2024، عن بدء العمل رسميًا في مدينة "طربول" الصناعية، الواقعة على طريق الصعيد الشرقي بمحافظة الجيزة، وتحديدًا في نطاق مدينة أطفيح الجديدة.
المشروع الذي وصفه مسؤولون بأنه "أكبر تجمع صناعي ذكي في مصر"، يمتد على مساحة تبلغ 26 ألف فدان (ما يعادل نحو 109 مليون متر مربع)، ويُروج له كخطوة نوعية على طريق النهضة الصناعية في البلاد، خاصة في صعيد مصر الذي طالما عانى من الإهمال التنموي.
فنكوش "طربول" 13 ألف مصنع ومليون فرصة عمل
وفقًا لما أعلنته شركة "GV Developments" المطورة للمشروع، فإن مدينة "طربول" من المخطط أن تضم أكثر من 13 ألف مصنع في مختلف القطاعات، من الصناعات الغذائية والنسيجية إلى الصناعات الهندسية والدوائية، باستثمارات تُقدّر بـ 13 مليار يورو (نحو 23 مليار دولار).
وتقول الشركة إن المشروع سيوفر ما يقرب من مليون فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، مما قد يسهم في تقليص البطالة في محافظات الصعيد التي تشهد أعلى معدلات فقر في البلاد.
إلى جانب المنطقة الصناعية، تتضمن الخطة إنشاء حي سكني متكامل، وآخر تجاري، وميناء جاف مرتبط بخطوط سكك حديدية لنقل البضائع، بهدف تسهيل عمليات التصدير والاستيراد وجذب الشركات متعددة الجنسيات، كما تخطط الشركة لإنشاء منطقة تعليمية ومراكز تدريب فني.
شريف حمودة، المطور العام لمشروع مدينة طربول الصناعية، أكد في يناير 2024 أن المدينة تستهدف إنشاء 13 ألف مصنع، منها 1400 مصنع تم إنشاؤها خلال عام 2023، وتشمل صناعات هندسية وغذائية وصناعات الحديد، مع توطين لصناعة السيارات والتعاون مع شركات متخصصة في إنتاج الهيدروجين الأخضر.
كما أشار إلى أن المدينة معتمدة كمنطقة استثمارية صناعية متكاملة، وتضم مجمعًا صناعيًا لإنتاج الإلكتروليزر المستخدم في صناعة الهيدروجين الأخضر، وهو الأول من نوعه في الشرق الأوسط.
من جانبه، قال خالد جمال الدين، ممثل وزارة الإسكان، خلال مناقشة طلب إحاطة في مجلس النواب يناير 2023، إن الوزارة سلمت أرض المدينة التي تبلغ مساحتها 26 ألف فدان، وأسندت المشروع لشركة مطورة بهدف إنشاء مدينة صناعية متكاملة توفر جميع الخدمات والمرافق المطلوبة، مع استهداف تشغيل نحو 13 ألف مصنع لتحقيق التكامل الصناعي والتنمية الاقتصادية في المنطقة.
مدينة طربول الصناعية وفق تصريحات مسئولين بحكومة الانقلاب هي ليست مجرد منطقة صناعية عادية، بل هي مشروع متكامل يضم عدة مناطق صناعية متخصصة، منها وادي تكنولوجيا الغذاء، محور السيارات، المحور الهندسي، المركز الطبي، مركز المنسوجات والملابس، مدينة مواد البناء، ومدينة الكيماويات والبلاستيك، بالإضافة إلى مراكز إنتاج صناعي ولوجستي متعددة، كما تحتوي المدينة على أحياء سكنية وتجارية وميناء جاف، لتوفير بيئة متكاملة تلبي احتياجات المصانع والمستثمرين والعاملين بها.
تم تصميم المدينة لتكون ذكية وصديقة للبيئة وصالحة للعيش، مع بنية تحتية متطورة تواكب متطلبات الثورة الصناعية الرابعة، حيث تعتمد على تقنيات حديثة وتلتزم بأعلى معايير الابتكار والاستدامة البيئية.
ويعد الموقع الاستراتيجي للمدينة، الذي يربط بين محافظات الصعيد والمراكز الاقتصادية في الدلتا، من أهم عوامل جذب المستثمرين، إذ يسهّل وصول المنتجات إلى الأسواق المحلية والعالمية.
مراحل التنفيذ والاستثمارات
تم تقسيم تنفيذ مشروع طربول إلى 7 مراحل، مع بدء المرحلة الأولى التي تشمل إنشاء سوق الجملة على مساحة 1.2 مليون متر مربع، ومنطقة التبريد المركزية ومنطقة التخزين الجافة، إضافة إلى بناء أول 280 مصنعًا سيتم تسليم قطع أراضيها وبدء العمل الفعلي بها في الشهر القادم.
بلغت استثمارات المرحلة الأولى نحو 3 مليارات دولار، مع خطة تنفيذ وتسويق تسير وفق الجدول الزمني المحدد، وتشهد إقبالًا لافتًا من المستثمرين. كما تم توقيع اتفاقيات مع 3 بنوك لتوفير قروض تمويلية للمصانع تصل إلى 10 سنوات بفائدة 5% لتشجيع الاستثمار الصناعي
رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي وصف المشروع، في تصريحات له خلال وضع حجر الأساس في يونيو الماضي، بأنه "أحد أعمدة استراتيجية التنمية الشاملة 2030"، مؤكّدًا أنه يمثل "نقلة نوعية لصعيد مصر وركيزة أساسية لجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية".
وصرّح اللواء هشام آمنة، وزير التنمية المحلية بحكومة الانقلاب، أن المشروع "سيسهم في سد الفجوة الصناعية في مصر وتوفير فرص تدريب وتشغيل للشباب".
ومع ذلك، أثار إعلان المشروع موجة من التساؤلات بين الخبراء والمهتمين بالشأن الاقتصادي، حول جدواه الفعلية في ظل الأزمة المالية الطاحنة التي تمر بها البلاد، والعجز المتفاقم في الموازنة العامة.
مشاريع كبرى.. والمواطن لا يشعر بالعائد
تأتي مدينة "طربول" ضمن سلسلة من المشاريع العملاقة التي تبنّتها حكومة الانقلاب منذ 2014، أبرزها العاصمة الإدارية الجديدة، ومشروع "العلمين الجديدة"، ومشروعات الأنفاق والموانئ، والتي تجاوزت تكلفتها الإجمالية 400 مليار دولار، بحسب تقديرات غير رسمية، ورغم ذلك، فإن المواطن المصري لم يشعر بتحسن ملموس في مستويات المعيشة، وسط ارتفاع معدلات التضخم إلى 35 % في أبريل 2024، وانخفاض القوة الشرائية بشكل كبير.
يقول الدكتور هاني توفيق، الخبير الاقتصادي، في تصريحات صحفية، إن "المشاريع الصناعية الكبرى لا معنى لها إذا لم تُرافقها سياسات تشغيل واضحة وربط مباشر باحتياجات السوق المحلي والتصدير"، محذرًا من أن تتحول مدينة طربول إلى "مشروع على الورق" يضيف عبئًا على المديونية الخارجية للبلاد، التي تخطّت 165 مليار دولار بنهاية عام 2023.
التمويل الأجنبي.. دعم للمستثمرين أم فخ ديون؟
بحسب وثائق المشروع، فإن تمويل "طربول" يعتمد جزئيًا على استثمارات خليجية وأجنبية، تشمل صناديق إماراتية وسعودية، إلى جانب قروض من بنوك تنموية دولية، إلا أن حجم التمويل المحلي ما زال غير واضح، كما لم يتم الإعلان عن أسماء الشركات الصناعية الكبرى التي أكّدت مشاركتها في المشروع فعليًا، مما يثير شكوكًا حول حجم الطلب الحقيقي على هذه المنطقة الصناعية.
ويتساءل مراقبون عن جدوى ضخ هذه الأموال في مدينة صناعية جديدة، في الوقت الذي تعاني فيه مئات المصانع القائمة بالفعل في المحافظات من الإغلاق أو التعثر بسبب نقص الدولار وارتفاع أسعار الطاقة والمواد الخام.
هل تنقذ طربول الاقتصاد المصري؟
مشروع مدينة "طربول" يحمل على الورق الكثير من الوعود بتحقيق التنمية الصناعية وتوفير فرص العمل، لكنه يواجه تحديات واقعية تتعلق بالتمويل، والتنفيذ، والطلب الحقيقي من المستثمرين، ناهيك عن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد.
فهل مصر تحتاج إلى مدينة صناعية عملاقة جديدة؟ أم إلى سياسات اقتصادية تعالج أولًا مشاكل البطالة والفقر والانهيار النقدي؟ وهل ستُنضم مثل غيرها إلى لائحة "الإنجازات غير المُنجزة".