أثار إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن إعداد خطة لإجلاء سكان شمال غزة قسرًا وتجميعهم في "مخيمات تركيز" بالجنوب، مخاوف شديدة في القاهرة. يرى المسؤولون المصريون أن هذه الخطوة تمهّد لترحيل كامل لأهالي غزة إلى شبه جزيرة سيناء، ما يهدّد باتساع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ليشمل مصر، وربما يعرّض معاهدة السلام الموقّعة عام 1979 للخطر.
خلال اجتماع وزاري شهد خلافات حادة، أمر نتنياهو جيشه بوضع خطة الإجلاء، مع نقل السكان إلى منطقة "المواسي"، الواقعة بين البحر المتوسط والحدود المصرية. تسعى إسرائيل، بحسب ما يرى محللون، إلى تفريغ شمال غزة بهدف تضييق الخناق على مقاومي حماس، وذلك بعد سيطرتها على نحو 75% من مساحة القطاع.
يتزامن ذلك مع زيارة نتنياهو إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في ثالث زيارة له خلال أقل من ستة أشهر. يطالب نتنياهو بإنهاء إعداد خطة الإجلاء قبل عودته إلى إسرائيل.
يرى باحثون في القاهرة أن هذه الخطة جزء من طموح إسرائيلي أكبر لفرض السيطرة العسكرية على غزة بأكملها، بالتوازي مع محاولات ضم أجزاء من الضفة الغربية. وقال الباحث السياسي أحمد عبد المجيد إن إسرائيل "تسعى إلى تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر 2023"، مضيفًا أنها تواصل إنشاء المستوطنات لفرض واقع جديد.
طرح بعض أعضاء حزب الليكود فكرة ضم أراضٍ في الضفة، قبل أيام من إصدار نتنياهو أوامره بإجلاء سكان شمال غزة. يواجه هذا المخطط اعتراضات من داخل الجيش الإسرائيلي نفسه؛ حيث أبدى رئيس الأركان الجنرال إيال زمير تحفظه خلال الاجتماع الوزاري، محذرًا من صعوبة السيطرة على 2.2 مليون فلسطيني في القطاع، خاصة فيما يخص إدارة الشؤون المدنية وتوزيع المساعدات الإنسانية.
تلقى "صندوق غزة الإنساني"، الذي أُطلق بدعم أمريكي في مايو لتوزيع المساعدات، انتقادات حادة بسبب سوء إدارته، إذ لقي عشرات الفلسطينيين مصرعهم أثناء محاولاتهم الحصول على الغذاء وسط الفوضى.
فيما تُعِد إسرائيل خطة الإجلاء، تخوض في الوقت ذاته مفاوضات غير مباشرة مع حماس في الدوحة، بهدف التوصل إلى هدنة لمدة 60 يومًا، تشمل الإفراج عن عشرة أسرى إسرائيليين أحياء، وتسليم رفات نحو نصف القتلى الثلاثين المحتجزين.
يُتوقع أن يتناول لقاء نتنياهو وترامب في واشنطن هذه الصفقة، وسط مشاركة مصرية فعالة في الوساطة إلى جانب قطر والولايات المتحدة.
في هذا السياق، يستخدم نتنياهو خطة الإجلاء كورقة ضغط على حماس لدفعها نحو اتفاق، ما يتوافق مع تحذير ترامب مؤخرًا من أن الوضع "سيزداد سوءًا" إن فشلت حماس في إبرام صفقة مع إسرائيل. إلا أن هذه الورقة قد تضع مصر في موقف حرج، كما يرى محللون في القاهرة.
قال المحلل محمد الدهي: "ستستخدم مصر جميع الوسائل الدبلوماسية لإيصال مخاوفها"، مضيفًا أن القاهرة ستتخذ أيضًا ما يلزم لحماية حدودها.
منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، حذرت القاهرة مرارًا من خطر تهجير سكان غزة إلى سيناء. حث رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي الفلسطينيين على البقاء في أراضيهم، محذرًا من أنهم قد لا يتمكنون من العودة لاحقًا. ووصف لاحقًا خطط التهجير، ومنها خطة ترامب لتحويل غزة إلى "ريفيرا الشرق الأوسط"، بأنها "عمل جائر" لا يمكن لمصر أن تقبل به.
ترفض مصر التهجير لأسباب وطنية وعربية، وتعتبر سلامة أراضيها خطًا أحمر. في أكتوبر أيضًا، حذر السيسي من أن نقل سكان غزة إلى سيناء سيجر مصر إلى صراع مباشر، وقد يهدد اتفاق السلام التاريخي مع إسرائيل. واقترح آنذاك حلاً بديلاً مؤقتًا بنقل سكان غزة إلى صحراء النقب.
تعارض مصر أيضًا احتلال إسرائيل لغزة، وترى فيه تمهيدًا لطرد الفلسطينيين من الضفة الغربية، ما سيقضي على حلم الدولة الفلسطينية. تؤكد القاهرة دعمها لحل الدولتين، وفق حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
عززت مصر إجراءاتها الأمنية في سيناء، بما في ذلك إرسال قوات ومعدات إضافية، ما أثار تحفظات في إسرائيل. يتوقع مراقبون اتخاذ مصر تدابير أمنية إضافية، خصوصًا بعد أوامر نتنياهو ببدء التحضيرات لإجلاء سكان غزة.
تخشى مصر من سيناريو "كابوسي"، يتمثل في تدفق مئات الآلاف من الفلسطينيين الجوعى والمرعوبين إلى أراضيها، ما يهدد أمنها واستقرارها.
قال عبد المجيد: "مصر مستعدة للدفاع عن أراضيها ضد أي مخططات لتهجير الفلسطينيين"، مشددًا على أن الدولة المصرية تستند إلى القانون الدولي في حماية أمنها القومي.
https://www.newarab.com/news/alarm-egypt-netanyahus-plan-empty-northern-gaza-begins