يسعى الإسلاميون في السودان، الذين أطيح بهم خلال انتفاضة 2019، للعودة إلى المشهد السياسي عبر دعم حكم الجيش لفترة ممتدة، بعد مشاركتهم في القتال خلال الحرب الدائرة في البلاد، وفقاً لتصريحات بعض قادتهم.
أحمد هارون، رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً وأحد المطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية، صرح بأن الجيش سيبقى في السلطة بعد الحرب، وأن الانتخابات قد تفتح الباب أمام عودة حزبه والحركة الإسلامية المرتبطة به.
الجيش السوداني يخوض حرباً منذ أكثر من عامين ضد قوات الدعم السريع، تسببت في مجازر ذات طابع عرقي، مجاعة، ونزوح واسع، وسط تدخلات خارجية، ووصفتها الأمم المتحدة بأكبر أزمة إنسانية في العالم.
رغم سيطرة الدعم السريع على دارفور وأجزاء من الجنوب، حقق الجيش تقدماً كبيراً في الشهور الأخيرة، وهو ما ينسبه الإسلاميون جزئياً لأنشطتهم.
القادة العسكريون ومؤيدو النظام السابق يحاولون التقليل من حجم علاقتهم، بسبب رفض الشارع للقيادة السابقة برئاسة عمر البشير. لكن تحسن موقف الجيش ميدانياً فتح الباب أمام الإسلاميين للحديث عن دور وطني مستقبلي.
تخلى حزب المؤتمر الوطني، المتجذر في الحركة الإسلامية التي برزت في التسعينيات حين استضاف السودان أسامة بن لادن، لاحقاً عن الخطاب الأيديولوجي المتشدد لصالح الهيمنة السياسية والمالية.
عودة الإسلاميين قد تعني تراجعاً كاملاً عن مكتسبات ثورة 2018، وقد تؤثر سلباً على علاقات السودان مع دول إقليمية مثل الإمارات التي تعارض التوجهات الإسلامية.
مؤشرات عدة تؤكد هذا المسار، منها تعيين عدد من الإسلاميين في حكومة كمال إدريس، رئيس الوزراء التكنوقراطي الذي عيّنه الجيش في مايو الماضي.
وفي رده على استفسار من رويترز، قال ممثل للقيادة العسكرية: "بعض قادة الإسلاميين قد يرغبون في استغلال الحرب للعودة للسلطة، لكن نؤكد أن الجيش لا يتحالف أو ينسق مع أي حزب سياسي".
الجيش والسياسة
هارون، الذي تحدث من مخبأ في شمال السودان، قال إن حزبه يتصور هيكلاً مختلطاً للحكم، يضمن للجيش السيطرة السيادية حتى زوال التهديدات، بينما تُجرى انتخابات لاختيار المدنيين للحكومة.
وأضاف: "قررنا ألا نعود للسلطة إلا عبر صناديق الاقتراع"، مشيراً إلى أن النموذج الغربي لا يناسب السودان، وأن الظروف الأمنية والتدخلات الأجنبية تتطلب دوراً سياسياً مستمراً للجيش.
ضابط كبير بالجيش قال إن المرحلة الانتقالية تحت حكم الجيش قبل الانتخابات "لن تكون قصيرة".
هارون، الذي فرّ من السجن مع بداية الحرب، اقترح إجراء استفتاء لاختيار القائد العسكري الأنسب لقيادة البلاد.
الحركة الإسلامية بدأت بإعادة تنظيم صفوفها قبل اندلاع الحرب في أبريل 2023، مستغلة فشل المرحلة الانتقالية نحو الحكم المدني.
علاقات الإسلاميين بالجيش تعمقت خلال عهد البشير الذي دام ثلاثين عاماً، وبعد الانقلاب الذي قاده الفريق عبد الفتاح البرهان عام 2021، استعاد الإسلاميون دورهم في دعم المؤسسة العسكرية.
الدعم السريع، رغم مشاركته في الانقلاب، كان يتحفظ على الإسلاميين، مما ساهم في تفجر الخلافات وتحولها إلى صراع مسلح.
المقاتلون الإسلاميون
وثيقة لحزب المؤتمر الوطني، اطلعت عليها رويترز، توضح مساهمة الإسلاميين في المعارك منذ بدايتها. وتُقدَّر مساهمتهم بـ2000 إلى 3000 مقاتل خلال السنة الأولى.
كذلك أشرفوا على تدريب مئات الآلاف من المدنيين الذين لبّوا نداء التعبئة العامة، وانضم أكثر من 70 ألفاً منهم للعمليات العسكرية، مما عزز قوات الجيش، وفقاً لثلاثة مصادر عسكرية.
يُقدَّر عدد المقاتلين المرتبطين مباشرة بالحزب بحوالي 5000، يعمل معظمهم في وحدات "القوات الخاصة" التي حققت تقدماً كبيراً في الخرطوم، بالإضافة إلى وحدة نخبوية تابعة لجهاز المخابرات العامة.
وأشار هارون إلى أن دعم الإسلاميين للجيش ليس سرياً، بل هو استجابة "لدعوة القائد الأعلى ولضمان بقائهم"، رغم تشكيكه في صحة الوثائق التي تحدثت عن آلاف المقاتلين المرتبطين بالحزب.
رغم نفي البرهان لعودة الحزب المحظور، عادت شخصيات إسلامية لمواقع حساسة، منها وزارة الخارجية وشؤون مجلس الوزراء.
مستشار في قيادة الدعم السريع، محمد مختار، اتهم الإسلاميين بإشعال الحرب سعياً للعودة إلى السلطة، معتبراً أنهم يديرون الصراع من خلف الستار.
ضابطان في الجيش قالا إن البرهان يسعى لتحقيق توازن بين تجنب هيمنة السياسيين، والاستفادة من الدعم العسكري والإداري والمالي الذي توفره الشبكة الإسلامية.
التحالفات الخارجية
الحركة الإسلامية وفّرت تدريباً عسكرياً لأعضائها منذ عقود، وأعادت في الحرب تشكيل وحدات مستقلة أبرزها "لواء البراء بن مالك".
قائد اللواء، المهندس عويس غانم (37 عاماً)، قال إنه أصيب ثلاث مرات، وشارك في فك حصار قواعد الجيش في الخرطوم. ويملك اللواء، بأوامر عسكرية، أسلحة خفيفة ومدفعية وطائرات مسيرة.
غانم أكد أن هدفهم ليس إعادة الإسلاميين إلى الحكم، بل "صد عدوان الدعم السريع"، متوقعاً عودة الإسلاميين عبر صناديق الاقتراع.
تقارير حقوقية اتهمت هذا اللواء بارتكاب عمليات قتل خارج القانون، وهو ما نفاه غانم.
الجيش يخطط لدمج هذه التشكيلات بعد الحرب، لتجنب تكرار تجربة الدعم السريع، الذي نشأ كمليشيا في عهد البشير.
مصادر عسكرية تحدثت عن مساعٍ استخبارية لتأمين سلاح عبر علاقات قديمة مع إيران وقطر وتركيا. هارون لم يؤكد أو ينفِ ذلك.
أي تقارب أكبر مع تلك الدول أو توسع النفوذ الإسلامي قد يؤدي إلى توتر في العلاقات مع الولايات المتحدة، ويزيد الخلاف مع الإمارات، التي دعمت إسقاط البشير وتعارض الإسلام السياسي.
قطع الجيش علاقاته الدبلوماسية مع الإمارات هذا العام، متهماً إياها بدعم الدعم السريع، وهو ما تنفيه أبو ظبي.