استيقظت الناشطة المصرية ماهينوز المصري على مكالمة هاتفية من والدتها في الثالثة فجراً، تفيد بوصول مندوب من قسم شرطة المنتزه يحمل طلب استدعاء لحضور نيابة أمن الدولة، رغم أن الاستدعاء الأصلي يعود ليوم 14 ولم تجد في الوقت المناسب ما يعنى بإبلاغها، لقد أراد النظام أن "يفزع والدتها" لهذه اللحظة.
لا يُعرف السبب أو التهمة، ولا مسوغ قانوني لهذا التعسف. هذه الحادثة تجسد آلية الترهيب المنهجي التي تمارسها الداخلـية ضد ناشطين بارزين من ابناء ثورة 25 يناير، لزرع الخوف والتعب والإرباك في حياتهم وحياة عائلاتهم.
https://x.com/MahienourE/status/1956877336848052415
إرهاب الفجر: استدعاء صامت لسياسات القمع
هذه الواقعة المرفوضة ليست جديدة، بل تتكرر منذ سنوات. غالبًا ما يترصد ضباط الأمن الوطني أو الشرطة المتظاهرين، الصحفيين، أو ناشطين بالخارج باستدعاءٍ مفاجئ أحيانًا منتصف الليل، مدعين أسبابًا مبهمة. يرجّح أن هذه الممارسة تهدف إلى كسر القضبان النفسية للناس، وليس الوصول إلى الحقيقة، وهي تن درعًا خوفًا بواجهات قانونٍ وشيك، لكن حريته محل طعن من قبل أجهزة لا تُعرف مساءلتها.
احتقار الإجراءات القضائية: من الاعتقال إلى الإخفاء
ممارسات الاستدعاء الخارجية غالبًا ما تسبق موجة من الاختفاء القسري أو الاعتقال التعسفي، خصوصًا ما تقوم به نيابة أمن الدولة العليا أو الأمن الوطني، ولا تتبع أي مسلك قانوني فعلي.
في حالات مثل هُدى عبد المنعم، تم اقتحام منزلها منتصف الليل واحتجازها دون مذكرة رسمية، واختفت لمدة 21 يومًا كاملة—بدون حقوق دفاعية أو إخطار بالأسرة—ثم وجهت لها اتهامات قائمة على "الانضمام لجماعات إرهابية".
"المحاكمة الأمنية": تضييق متعمد للحقّ في الدفاع
ووفقًا لتقارير منظمة العفو الدولية، فإن نيابة أمن الدولة العليا تستغل القوانين الأمنية الدقيقة—على غرار حالات "الرهاب الإرهابي" لجعل أي نشاط إعلامي أو رأي سياسي وسيلة لـ"الإفتراء" و"القضية الأمنية".
ويتم التعامل مع المعتقلين دون محامين من اختيارهم، ويُحرَمون من قراءة نص الأدلة أو حتى التحدث الحر في التحقيقات.
الجهاز الأمني يتحوّل إلى قانون خارج السيادة
ما يحدث ليس مجرد إخلال بحقوق الفرد، بل يشكل انقلابًا على مفاهيم الدولة والقانون.
فاستدعاء الناس في منتصف الليل لن يُدينهم، لكنه يدفعهم لتسليم مصالحهم أو إلغاء نشاطهم، أو حتى مغادرة البلاد خوفًا من "فاتورة أمنية" قد تلاحقهم.
يتكاثر هذا التهديد في غياب هيكل قانوني مستقل ومحاسب—يقود إلى تصوّر بأن الدولة لا تحكم بالقانون، بل بالعصا الأمنية الغليظة.
ما وراء الاستدعاء: الترهيب النفسي كأداة لقمع المعارضة
تستهدف هذه الآلية إرهاق حياة الناشطين المهنية والشخصية نفسها.
فمنذ سنوات، وثّقت منظمات حقوقية مثل "أمنيستي" حالات سابقة لنساء وناشطين تعرضوا لمضايقات نفسية غير مقيدة أمام عائلاتهم.
أحدهم عبّر عن ذلك بقوله: "رأوا اسمي في الاستدعاء، وخفت على أمي أكثر مما خفت على نفسي."
المجتمع المدني يُعلن التحدي
في بدائل هذه السياسة القمعية، تتصاعد الدعوات لمحاربة مبدأ "الاستدعاء الأوسط في الليل" عبر: فتح القضبان القانونية لتطمن العائلات، الإفراج الفوري عن المقبوض عليهم بتهم سياسية، إلغاء صلاحيات النيابة الأمنية في القضايا البسيطة.
الضغط المدني والحقوقي الدولي بات يشكل رادعًا جزئيًا، رغم أن أجهزة الدولة ما زالت تتحرّك في ضوء صمت رسمي دولي.
وفي النهاية فإن ماهيـنوز المصري لم تطالب بشيء غير حقها وأمان عائلتها. لكنها اليوم، بصمتها وغضبها المُعلن، تفضح أن الحكومة المصرية بعد 2013 تبني نظامًا ترهيبيًا يجعل من الاستدعاء وسيلة للإرهاب اليومي.
حين تتحوّل الأسرة إلى سلّطة للترهيب، وتصبح حقائب "المدّعي الأمني" والشرطة في منتصف الليل أعنف من إطلاق النار.