تحولت الانتخابات البرلمانية في مصر خلال السنوات الأخيرة إلى ما يشبه "مزادًا علنيًا" لبيع المقاعد النيابية، وسط غياب الشفافية والتنافسية السياسية الحقيقية. فقد كشفت النائبة السابقة حنان فايز، القيادية في حزب "حماة الوطن"، عن وصول سعر المقعد البرلماني في بعض الدوائر إلى 25 مليون جنيه، في سابقة تعكس حجم الفساد السياسي الذي بات يحكم المشهد.

وأكدت فايز أن ما يحدث لم يعد مجرد إنفاق انتخابي طبيعي، بل تجارة منظمة تهدف إلى شراء النفوذ والحصانة، مشيرة إلى أن المال السياسي صار هو المحدد الأول لدخول البرلمان، لا الكفاءة أو تمثيل مصالح المواطنين.
https://x.com/i/status/1966871155954118718
 

إبراهيم عيسى: أرقام مرعبة وفضيحة سياسية
من جانبه، أثار الإعلامي والكاتب إبراهيم عيسى القضية في برنامجه، حيث تحدث عن "إحصاءات مرعبة" تكشف أن سوق المقاعد النيابية في مصر بلغ مستويات غير مسبوقة، لتتحول المنافسة السياسية إلى صفقات مالية مغلقة تديرها شبكات مصالح بين رجال أعمال ومسؤولين نافذين.

وأوضح عيسى أن الأرقام المتداولة تعكس انهيار فكرة الانتخابات كآلية ديمقراطية، وتؤكد أن البرلمان المقبل لن يكون سوى انعكاس مباشر لقوة رأس المال والقدرة على الدفع، بعيدًا عن أي اعتبار للمصلحة العامة.
https://x.com/i/status/1963905253171986485
 

المال السياسي يلتهم البرلمان
ظاهرة بيع المقاعد لم تعد خافية على أحد. كثير من المرشحين يتعاملون مع البرلمان باعتباره "استثمارًا مضمون العائد"، حيث يدفعون عشرات الملايين للحصول على الكرسي، ثم يستردونها عبر الصفقات والمصالح الخاصة، سواء من خلال التوكيلات، أو تسهيلات حكومية، أو حماية قانونية.

هذا المشهد يطرح تساؤلات مقلقة حول معنى البرلمان في مصر: هل هو مؤسسة تشريعية ورقابية تخدم المواطن، أم بوابة لحصانة مضمونة وفرص استثمارية تدر أضعاف ما يُدفع في المزاد الانتخابي؟
 

سقوط القيم السياسية وتهميش الكفاءات
النتيجة المباشرة لهذا المزاد أن الأصوات الشابة والكفاءات المهنية والأكاديمية تُقصى من المشهد، لصالح رجال الأعمال وأصحاب الثروات.
فالعملية لم تعد تحتمل منافسة عادلة، لأن "المال السياسي" أصبح السلاح الوحيد القادر على حسم المعركة.

هذا التهميش لا يضر فقط بالحياة البرلمانية، بل يعمّق أيضًا الفجوة بين المواطن البسيط ومؤسسات الدولة، إذ يشعر الناخب أن صوته لم يعد له قيمة، وأن من يمثلونه في البرلمان لا علاقة لهم بقضاياه الحياتية، بل يمثلون مصالح مالية خاصة.
 

آراء خبراء: البرلمان بلا شرعية شعبية
يرى مراقبون أن البرلمان الذي يأتي على وقع المزادات لا يتمتع بأي شرعية شعبية حقيقية. الخبير السياسي حسن نافعة اعتبر أن بيع المقاعد "فضيحة سياسية مكتملة الأركان"، لأنها تُفرغ العملية الديمقراطية من مضمونها.

بينما حذّر الباحث محمود جمال من أن استمرار هذه الظاهرة سيؤدي إلى مزيد من فقدان الثقة في المؤسسات، وربما يفتح الباب أمام انفجار اجتماعي، لأن المواطن لم يعد يرى ممثلين حقيقيين له تحت قبة البرلمان.

أما الخبيرة الاقتصادية يمنى الحماقي فأشارت إلى أن الأموال التي تُنفق في شراء المقاعد لو وُجهت للاستثمار أو خلق فرص عمل لكانت عادت بالنفع على المجتمع، لكن توجيهها للفساد السياسي يضاعف الأزمات الاقتصادية.
 

انعكاسات خطيرة على المستقبل
إذا استمر هذا النهج، فإن البرلمان لن يكون سوى صورة مشوهة للمال والنفوذ، بينما يفقد دوره الأساسي كسلطة تشريعية ورقابية.
الأخطر أن هذه الممارسات تشرعن الفساد، وتجعل منه جزءًا أصيلًا في العملية السياسية، بما يهدد مستقبل الحياة الديمقراطية في مصر.

لقد تحولت الانتخابات من مناسبة لإبراز أصوات الشعب إلى ساحة صفقات يديرها رجال أعمال يبحثون عن حماية مصالحهم. وهو ما يجعل البرلمان القادم – بحسب مراقبين – مجرد نادي أصحاب المليارات، لا بيت الشعب كما يُفترض أن يكون.
بهذا يتضح أن "مزاد المقاعد الانتخابية" ليس مجرد خبر عابر، بل هو جرس إنذار خطير بأن السياسة في مصر تُباع وتشترى، وأن الديمقراطية تحولت إلى "بورصة" لمن يملك أكثر.