في ظل تدهور الاقتصاد المصري المستمر وتصاعد الضغوط الاقتصادية، يواجه نظام عبد الفتاح السيسي انتقادات محتدمة، خاصة مع قرار إعادة طرح شركات الجيش للبيع خلال عام 2025 تحت ضغوط صندوق النقد الدولي.
يعتبر هذا القرار تراجعاً واضحاً عن السيطرة العسكرية على اقتصاد البلاد ونتيجة لضغوط مالية دولية خانقة، إذ يرتبط هذا الطرح بشروط قرض موسع من الصندوق بقيمة 8 مليارات دولار، والذي يُشترط فيه تقليص نفوذ الجيش في الاقتصاد وتعزيز دور القطاع الخاص.
هذا التراجع الذي يُروّج له على أنه إصلاح اقتصادي، هو في الواقع وقود لموجات من الغضب الشعبي والاقتصادي بسبب فشل النظام في تحقيق استقرار حقيقي وتحسين مستوى المعيشة.
شركات الجيش تحت الميكروسكوب.. أرقام وتواريخ
حسب بيانات رسمية صادرة عن حكومة الانقلاب المصرية، يُخطط لطرح 10 شركات للبيع خلال 2025، من بينها 4 شركات تابعة للجيش، أبرزها "الوطنية للبترول"، "شل آوت"، "سايلو فودز" للصناعات الغذائية، وشركة "صافي" لتعبئة المياه الطبيعية.
تنفذ الطروحات عبر صندوق مصر السيادي الذي تأسس عام 2018 لتعزيز شراكات القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية، لكن استحواذ الجيش على تلك الأصول ظل لعقود يحد من فعالية القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني.
في ديسمبر 2024، أعلن رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي رسمياً النية لبيع تلك الشركات، مؤكداً أن هذه الخطوة جزء من برنامج اقتصادي متكامل يتوافق مع متطلبات صندوق النقد الدولي، بينما كانت هناك اتفاقيات صارمة مع جهاز مشروعات الخدمة الوطنية لتسيير عملية إعادة الهيكلة وإدارة الطروحات حتى 2026.
الصدمة الاقتصادية.. أرقام تنذر بالأسوأ
تتمحور الأزمة الاقتصادية الحالية في تخلف كبير للنمو، ارتفاع متواصل للدين العام الذي تجاوز 150 مليار دولار، وانهيار قياسي للجنيه المصري، فقد خسرت العملة الوطنية جزءاً كبيراً من قيمتها مقابل الدولار، وأدى ذلك إلى موجات متتالية من ارتفاع الأسعار، خاصة في السلع الغذائية، حيث طرأت زيادات بنسبة تفوق 30% خلال عام 2024 فقط.
صنفت مؤسسات دولية ومحللون الاقتصاد المصري كواحد من أكثر الاقتصادات هشاشة في المنطقة، لاسيما مع تباطؤ النمو الاقتصادي الذي سجل 2.5% في عام 2024، وهو أقل بكثير من توقعات صندوق النقد الدولي البالغة 3.8%.
رفضت أحزاب سياسة الاقتراض المتكرر وبيع أصول الدولة لصالح تعميق الاعتماد على القروض الخارجية، إذ يرى السياسيون أن هذه السياسات أدت إلى "تجريد الدولة من أصولها لصالح كبار المستثمرين"، مع تزايد البطالة وتراجع الرعاية الاجتماعية.
وقال محمود عاكف، القيادي في ائتلاف المعارضة الشكلية، "بيع شركات الجيش، رغم رمزيته، لا يعالج الأزمة بل يفاقم مآسي الشعب، فالاقتصاد العسكري الذي يشكل 40% من الاقتصاد الوطني يهرب من الرقابة الحقيقية."
من جهة أخرى، انتقد اقتصاديون بارزون مثل د. هشام عزام سحب الأصول بهذه الطريقة بأنها "حلول مؤقتة تُرضي صندوق النقد لكنها تكرس تبعية الاقتصاد العالمي"، محذرين من أن "الخطة لن تنجح دون إصلاحات سياسية عميقة وإدارة شفافة"، معربين عن تخوفهم من استمرار تفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية.
حقائق تفضح سياسة السيسي الاقتصادية
منذ بداية حكم السيسي في 2014، شهد الاقتصاد نموًا محاصراً بسيطرة الجيش على قطاعات اقتصادية رئيسية، حتى أصبحت شركات الجيش تسيطر على أكثر من 30% من النشاط الاقتصادي.
برنامج صندوق النقد الدولي الذي بدأ منذ 2016 مع قرض بـ 12 مليار دولار، وتبعه قروض أخرى في 2020 بعشرات المليارات، لم يُسفر عن تحسن ملحوظ على مستوى معيشة المصريين بل على العكس، زادت معدلات الفقر لتصل إلى 32.5% عام 2024 مقابل 27.8% في 2019 حسب تقارير البنك الدولي.
الطرح الجديد لشركات الجيش، رغم أنه يُعلن على أنه لتحرير الاقتصاد، هو في الواقع استجابة قسرية لضغوط تزايدت مع تأخر الالتزام بإصلاحات عاجلة، ويعكس بشكل واضح فشل السياسات الاقتصادية القائمة على السيطرة العسكرية والفساد الإداري.
اقتصاد تحت سيطرة عسكرية رغم الطروحات
في النهاية، يعيد نظام الانقلاب المصري طرح شركات الجيش للبيع كخطوة شكلية تحت ضغط صندوق النقد الدولي، لكنه يفتقر إلى شفافية وإصلاحات حقيقية تعيد الحقوق الاقتصادية للمواطنين.
إن هذه الخطوة لن تكون حلاً جذرياً للأزمة المتفاقمة ولن تعوض الفساد السياسي والاقتصادي، إذ تظل السلطة الاقتصادية بيد النخبة الحاكمة، بينما يعاني المواطن البسيط من تبعات الفقر والغلاء.
يفترض أن تكون الطروحات بمثابة بداية لإصلاح اقتصادي شامل، لكن الواقع يشير إلى استمرار أزمات النظام الذي يراهن فقط على الإملاءات الخارجية دون رؤية إصلاحية وطنية حقيقية قادرة على إنقاذ الاقتصاد وتحسين حياة المصريين.