في مقابلات وتصريحات رسمية متكررة أخيراً، قال رئيس وزراء حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي إن «مصر حققت إنجازات بارزة في مجال العمران» مع افتتاح مشاريع مثل العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة.
إنجازات مدبولي الرسمية وأرقامها
بحسب تصريحات مدبولي، تمكنت الحكومة من تنفيذ مليون وحدة سكنية خلال خمس سنوات بإجمالي استثمارات قاربت 54 مليار جنيه، واستفاد منها نحو 920 ألف مواطن، إلى جانب تطوير 357 منطقة غير آمنة وتحويلها إلى مناطق سكنية نموذجية. كما تم رفع نسبة المساحات المعمورة في مصر من 7% إلى 13.8% خلال زمن أقل مما كان مخططًا له حتى عام 2050، وفق خطة عمرانية شاملة.
لكن هذه البهرجة العمرانية لا تعالج الواقع المعيشي للمواطن: تضخم متصاعد، فقر متعدد الأبعاد متزايد، وميزانيات ضخمة تُنفق على مدن فاخرة بينما يصرخ المواطن المطحون من غلاء المعيشة.
مشروع العاصمة الإدارية.. مجد بصري.. وتكاليف غامضة
تُروّج حكومة الانقلاب للعاصمة الإدارية باعتبارها «قفزة حضرية» وتجسيداً للتنمية الحديثة، وتحتوي على ناطحات سحاب ومبانٍ حكومية ضخمة ومشاريع بنية تحتية، لكن تقديرات التكلفة الإجمالية تختلف، ومحللون يحذرون أن المشروع حمل تبعات على الدين الخارجي والموارد الوطنية منذ بدايته.
هذا التناقض يطرح سؤالاً بسيطاً: هل أنفقت الدولة عشرات المليارات على رموز حضرية أم على رفع قدرة المواطن الحقيقية؟
العلمين الجديدة: استثمارات بمليارات.. لمن؟
تتباهى أيضاً حكومة الانقلاب بأن مدينة العلمين الجديدة جذبت استثمارات تصل إلى نحو 62 مليار جنيه (4 مليار دولار) حتى فبراير 2022، وفق تصريحات رسمية لوزارة الإسكان.
لكن هذه الاستثمارات ذهبت في مشاريع سياحية وسكنية موجهة غالباً للطبقات الوسطى والعليا أو للاستثمار العقاري، بعيداً عن معالجة أزمة الإسكان لملايين الأسر الفقيرة التي تعاني نقصاً في الخدمات الأساسية.
بالمقابل، نسبة الفقر متعددة الأبعاد تشير إلى أن أكثر من واحد من كل خمسة مصريين عاشوا بعدم توفر حد أدنى من الخدمات والقدرة الاقتصادية في 2022.
التضخم وصرخة القدرة الشرائية.. أرقام لا تقبل المبالغة
فيما تتوالى بيانات الاحتفاء بالمشاريع الكبرى، يعاني المواطن من قفزات أسعار متكررة؛ فالتضخم السنوي بلغ ذروات قياسية بعد 2022 ووصل إلى مستويات شديدة التأثير على دخل الأسر، مع تسجيل معدل تضخم حضري حول 13–14% في فترات من 2025 مع ذروات أعلى في 2023 بحسب تقارير دولية.
عملياً، هذا يعني أن أسعار الغذاء والخدمات ارتفعت بسرعة تفوق قدرة معظم الأجور على المواكبة، ما يترك «المطحون» بلا حماية حقيقية رغم «الإنجازات» الخرسانية.
من يصرّح ومن يتذمر.. تصريحات بارزة وتعليقات نقدية
مدبولي ودوائر رسمية صرّحوا مراراً مثلاً في فبراير 2025 بأن مصر حققت قفزات عمرانية غير مسبوقة؛ هذا الخطاب التسويقي قابلته أصوات نقدية محلية وإقليمية تذكر أن الأموال العامة يجب أن تُصرف على الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي بدلاً من مدن ناطحات سحاب.
صحف ومحللون أشاروا إلى أن مشاريع مثل العاصمة الإدارية قد تؤدي إلى تآكل الحقوق وعمق الفوارق الاجتماعية إذا لم تُصاحبها سياسات إعادة توزيع حقيقية.
الحقائق التي لا يذكرها خطاب الإنجاز
أ- بيانات الفقر: وفق دراسات متعددة الأبعاد، يُقدّر أن حوالي 21% من السكان كانوا متأثرين بفقر متعدد الأبعاد في 2022، ما يعكس عجز الخدمات الأساسية والفرص.
ب- أولويات الإنفاق: الإنفاق على مشاريع كبرى يُقارن بتجارب دولية حيث تُخصَّص موازنات أكبر للصحة والتعليم ودعم القدرة الشرائية قبل الأيقونات العمرانية.
ج- شفافية البيانات: اتهامات لجهات رسمية بتأخير أو حجب نشر بعض بيانات الدخل أو نتائج بحوث الفقر تزيد من الشكوك حول منافع هذه المشاريع للمواطن العادي.
الأسباب.. لماذا المواطن مطحون رغم الأبراج؟
- توجه اقتصادي يعتمد على مشاريع رأسمالية كبرى تُحفز النمو الظاهري لكنها لا تخلق بالضرورة وظائف منتظمة ومستدامة للفئات الأدنى.
- تآكل القوة الشرائية نتيجة تضخم متكرر وانخفاض قيمة الجنيه، ما يجعل الأجور الحقيقية تتراجع.
- سوء التوزيع: تمويل البنية التحتية الفاخرة غالباً ما يُمنح لمقاولين ومطورين مرتبطين بالدولة أو الجيش، بدل أن يذهب لبرامج اجتماعية مباشرة.
إنجازات للكاميرات أم للناس؟
حين يتبارى المسؤولون في عروض البانر والافتتاحات، يبقى المواطن المطحون وراء الأرقام الرسمية، الانتصار الحقيقي للحكومة سيكون عندما تُترجم مشاريعها العمرانية إلى تعليم أفضل، صحة متاحة، رواتب تكفي للعيش، ومساكن ميسورة للجميع، لا عندما تظلّ المدن الجديدة متحفاً بصرياً لا يستطيع المواطن العادي دخوله، حتى ذلك الحين، تظل تصريحات مدبولي رنانة على الورق بينما يصرخ الواقع بصوت أعلى.