شنّت القوات الإسرائيلية سلسلة غارات جوية على ميناء الحديدة غرب اليمن، بعد ساعات من توجيه إنذار بإخلائه. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية ويمنية أن الهجوم تضمن 12 غارة استهدفت ثلاثة أرصفة داخل الميناء.

من جهته، أعلن المتحدث العسكري باسم جماعة أنصار الله (الحوثيين)، يحيى سريع، أن الدفاعات الجوية اليمنية تمكنت من إرباك الطائرات المهاجمة، وأجبرت بعضها على الانسحاب من الأجواء.

وفي تصريح شديد اللهجة، توعّد وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الحوثيين بمزيد من الضربات، مؤكداً أن إسرائيل ستجعلهم يدفعون "أثماناً موجعة" مقابل أي محاولة لاستهدافها. وأضاف أن الغارات على ميناء الحديدة تهدف إلى تعزيز الحصار البحري والجوي المفروض على الجماعة.

 

إنذار عاجل

وكان الجيش الإسرائيلي وجّه اليوم الثلاثاء "إنذارا عاجلا" لإخلاء ميناء الحديدة في غرب اليمن من الموجودين والسفن الراسية"، وتوعّد بقصفه في الساعات القريبة.

وقال المتحدث العسكري الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، في تدوينة على منصة إكس مرفقا إنذاره بخريطة، إن الجيش الإسرائيلي سيهاجم "خلال الساعات القريبة في المنطقة المحددة بالخريطة"، في ضوء الأنشطة العسكرية التي تمارسها جماعة الحوثي.

ويوم الاثنين أعلنت جماعة الحوثي أنها هاجمت إسرائيل بأربع طائرات مسيّرة، ردا على جرائم الإبادة والتجويع التي ترتكبها تل أبيب بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.

وقال بيان للمتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيي سريع "نفذ سلاح الجو المسيّر في القوات المسلحة اليمنية عملية عسكرية نوعية"، استهدفت ثلاث منها مطار رامون في منطقة إيلات جنوبي إسرائيل.

وشنّ الجيش الإسرائيلي، الخميس الماضي، غارات على عدة مواقع في اليمن بينها العاصمة صنعاء أسفرت عن مقتل 46 شخصا على الأقل، حسب الحصيلة الصادرة عن وزارة الصحة في حكومة الحوثيين.

ولاحقا، تعهد الرئيس الجديد للحكومة التي يقودها الحوثيون محمد أحمد مفتاح مواصلة قتال إسرائيل خلال تجمع جماهيري في صنعاء، بعدما قضى سلفه في غارة إسرائيلية على اليمن أواخر شهر أغسطس الماضي.

بالتحليل السياسي والعسكري، يمكن قراءة الهجوم الإسرائيلي على ميناء الحديدة في سياق تصعيد إقليمي متعدد الأبعاد، يعكس تحوّلاً في قواعد الاشتباك بين إسرائيل وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، ويمتد أثره إلى معادلات الأمن البحري في البحر الأحمر.

 

الخلفية الاستراتيجية

ميناء الحديدة يُعد شريانًا اقتصاديًا وإنسانيًا بالغ الأهمية في اليمن، ويقع تحت سيطرة الحوثيين منذ سنوات. استهدافه لا يحمل فقط دلالة عسكرية، بل يوجه رسالة سياسية بشأن قدرة إسرائيل على التأثير في خطوط الإمداد الحيوية.

الإنذار بالإخلاء قبل الغارات يشير إلى رغبة إسرائيل في تجنب خسائر بشرية كبيرة، ما يعكس حرصًا على ضبط التصعيد ضمن حدود معينة، دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة.

 

الرد الحوثي وتوازن الردع

إعلان الحوثيين عن "إرباك الطائرات وإجبارها على مغادرة الأجواء" يهدف إلى ترسيخ صورة الردع المحلي، حتى لو لم يكن له تأثير عملي كبير على سير العمليات الجوية.

هذا الرد الإعلامي يندرج ضمن استراتيجية "الحرب النفسية"، التي تعتمدها الجماعة في مواجهة خصومها الإقليميين والدوليين.

 

التصريحات الإسرائيلية: رسائل متعددة

تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي بأن الهجوم جاء لضمان استمرار الحصار البحري والجوي، يكشف عن هدف مركّب: منع تدفق الأسلحة إلى الحوثيين، وفرض عزلة استراتيجية عليهم.

التهديد بـ"أثمان موجعة" يعكس رغبة إسرائيل في ترسيخ معادلة ردع جديدة، تربط بين أي تهديد مباشر أو غير مباشر لأمنها وبين ضربات استباقية في العمق اليمني.

 

الأبعاد الإقليمية

هذا التصعيد يأتي في ظل توترات متزايدة في البحر الأحمر، حيث تتداخل مصالح دولية وإقليمية، من بينها الولايات المتحدة، إيران، السعودية، ومصر.

الهجوم قد يُفسَّر أيضًا كرسالة لإيران، الحليف الأبرز للحوثيين، بأن إسرائيل قادرة على ضرب وكلائها في أي نقطة من الجغرافيا الإقليمية.

الهجوم الإسرائيلي على ميناء الحديدة لا يمكن فصله عن السياق الأوسع لتأزم الملاحة في البحر الأحمر، وهو ما يثير قلقًا متزايدًا لدى شركات الشحن العالمية والدول المعنية بأمن الممرات البحرية.

 

أهمية ميناء الحديدة والبحر الأحمر

ميناء الحديدة هو أحد أهم الموانئ اليمنية، ويُعد شريانًا حيويًا لواردات الغذاء والوقود والمساعدات الإنسانية.

البحر الأحمر يمثل ممرًا استراتيجيًا يربط بين آسيا وأوروبا عبر قناة السويس، ويعبره نحو 10% من التجارة العالمية.

 

تداعيات الهجوم على حركة الملاحة

بحسب تقارير دولية، تراجعت حركة السفن عبر البحر الأحمر بنسبة تصل إلى 80%  منذ تصاعد التوتر بين الحوثيين وإسرائيل.

شركات شحن دولية بدأت بتغيير مسارات سفنها لتجنب المرور عبر البحر الأحمر، واللجوء إلى طريق رأس الرجاء الصالح، ما يزيد من زمن الرحلات وتكاليف النقل.

الهجوم على ميناء الحديدة قد يؤدي إلى تعطيل الميناء لأسابيع، مما يفاقم الأزمة الإنسانية ويؤثر على تدفق السلع الأساسية إلى اليمن.

 

المخاطر الأمنية المتزايدة

جماعة الحوثي كثّفت من استهداف السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل أو الولايات المتحدة، باستخدام طائرات مسيّرة وزوارق مفخخة.

الهجمات الأخيرة شملت سفنًا ترفع أعلام ليبيريا وسنغافورة، ما يعكس توسع دائرة الاستهداف.

إسرائيل تبرر ضرباتها بأنها رد على تهديدات حوثية للملاحة الدولية، وتؤكد أنها ستواصل عملياتها العسكرية لضمان أمن البحر الأحمر.

 

الأثر الجيوسياسي

التصعيد في البحر الأحمر يُنذر بـتحول الممر البحري إلى ساحة صراع مفتوحة، مما قد يدفع القوى الدولية إلى التدخل لضمان حرية الملاحة.

بعض الدول مثل الصين وروسيا تلقت تطمينات من الحوثيين بعدم استهداف سفنها، ما يعكس محاولة الجماعة لتفادي مواجهة شاملة.

الهجوم الإسرائيلي على ميناء الحديدة ليس مجرد ضربة عسكرية، بل هو جزء من معركة أوسع على النفوذ البحري في المنطقة. وإذا استمر التصعيد، فإن البحر الأحمر قد يتحول من ممر تجاري إلى منطقة نزاع مزمن، مما يهدد استقرار التجارة العالمية ويزيد من تعقيد الأزمة اليمنية.