شهدت منطقة الشرق الأوسط خلال أقل من عام انسحابًا لافتًا لسلسلة متاجر كارفور الفرنسية من أربعة دول عربية، حيث أعلنت ماجد الفطيم، الشركة الإماراتية المالكة الحصرية لحقوق تشغيل كارفور في المنطقة، إغلاق جميع فروعها في الأردن، تلاها إغلاق الفروع في عمان، ثم توقفت عمليات كارفور في البحرين، وفي الكويت، في خطوة تمثل انسحابًا شبه كامل من أسواق الخليج في فترة لا تتجاوز عشرة أشهر.
ما الدول التي أغلقت فروع كارفور ومتى؟
- الأردن: أغلقت كارفور جميع فروعها في 4 نوفمبر 2024، وتم الإعلان عن استبدالها بعلامة HyperMax التي تديرها مجموعة ماجد الفطيم، وعدد الفروع التي شملها القرار حوالي 34 فرعًا في المملكة.
- عُمان: أعلنت الشركة وقف عمليات كارفور في السلطنة في 7 يناير 2025، ما يعكس انسحاباً بعد تواجد طويل في السوق.
- البحرين: أُبلغ الزبائن بوقف العمليات اعتبارًا من 14 سبتمبر 2025، مع إعلان ماجد الفطيم عن تشغيل ستة فروع تحت اسم HyperMax في البلاد.
- الكويت: أعلنت كارفور إيقاف نشاطها في 16 سبتمبر 2025، ليكتمل انسحاب العلامة من أربع أسواق خلال عشرة أشهر تقريباً.
سبب المقاطعة الرئيسي هو دعم كارفور المزعوم لإسرائيل عبر شراكات مع شركات ومنظمات إسرائيلية، ما تسبب في حملات مقاطعة شعبية واسعة في الوطن العربي.
أسباب المقاطعة وتأثيرها المباشر
الانسحاب جاء في ظل تصاعد حملات مقاطعة شعبية واسعة، مدعومة من منظمات وهيئات سياسية وفلسطينية، أبرزها حركة المقاطعة العالميةBDS، التي بدأت حملتها ضد كارفور في ديسمبر 2022، متهمة الشركة بالتواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي.
فقد كشفت الحركة عن زيجات شراكة بين كارفور وشركات إسرائيلية مثل Electra Consumer Products وYenot Bitan، فضلاً عن دعم بعض فروع كارفور في إسرائيل للجيش الإسرائيلي عبر توزيع هدايا وتنظيم جمع تبرعات.
هذه الاتهامات أثارت جدلاً وحملات احتجاج احتجاج في تونس والمغرب، حيث تم تنظيم مظاهرات عدة أمام متاجر كارفور أغلقت بعضها أبوابها مؤقتًا تحت ضغط المتظاهرين، كما تواصلت حملات المقاطعة وتوزيع المنشورات وتنظيم تحركات احتجاجية في مدن مثل القاهرة وعمان والمنامة والكويت، ما ألحق خسائر مالية تصل إلى مستويات كبيرة جداً بالشركة وشريكها ماجد الفطيم.
استثمارات ماجد الفطيم وحجم الخسائر
تُدار كارفور في الشرق الأوسط من قبل مجموعة ماجد الفطيم، التي تُعد واحدة من أكبر شركات التملك العائلي في الخليج، برأس مال يقدر بحوالي 70 مليار درهم إماراتي (ما يعادل نحو 19 مليار دولار).
كانت الشركة قد توسعت باستثمارات ضخمة في هذه الأسواق، حيث افتتحت مئات الفروع في الدول العربية، وبحسب تقارير فإن شركة Label Vie المغربية مثلاً تدير حوالي 171 فرعًا لكارفور في المغرب.
مع ذلك، تضرر حجم الأعمال بشكل واضح في الدول التي شهدت حملات المقاطعة، حيث أقر مسؤولو شركة Label Vie أن مبيعات كارفور تراجعت بشكل ملموس في 2024، رغم افتتاح فروع جديدة، بسبب النزعات المقاطعية والإعلامية.
بالمقابل، وبدون إعلان رسمي لأسباب الإغلاق، أشارت تحليلات إلى أن ماجد الفطيم تعتمد استراتيجية دفعية لإطلاق علامتها التجارية الجديدة "HyperMax" لتعويض فروع كارفور التي أغلقها، في محاولة للحفاظ على الحصة السوقية ضمن بيئة اقتصادية سياسية متغيرة في المنطقة.
احتجاج سياسي واجتماعي متزايد
تصريحات السياسيين والنشطاء الفلسطينيين تؤكد أن حملة المقاطعة نجحت في خلق ضغط اقتصادي واجتماعي على مجموعة ماجد الفطيم وفروع كارفور.
اللجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة (BNC) أشارت إلى أن الحملة استهدفت بشكل واضح تقويض الدعم المالي واللوجستي الذي تُتهم كارفور بتقديمه للاحتلال الإسرائيلي، وهذا ما انعكس على تحركات السوق وقرارات الإدارة في الدول العربية.
ومن جهة أخرى، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي وساحات المظاهرات أعمال احتجاج غاضبة كما في تونس والمغرب، حيث رفع المتظاهرون شعارات مناوئة لاستمرار نشاط كارفور، وصدر صوت من أحزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدني تدعو لعدم التعامل مع المقاهي والفروع التجارية التي تدعم الاحتلال.
في مواجهة سياسة السيسي.. بعدم مقاطعة الاقتصاد؟
من زاوية أخرى، يُرى في التحولات الأخيرة انعكاسًا للوضع السياسي المؤثر في القرار الاقتصادي العام داخل عدة دول عربية، وخاصة في مصر حيث تواجه حملات المقاطعة صمتًا أو حدودًا من السلطات الرسمية، على النقيض من بعض الدول التي شهدت تحركات شعبية وخطوات إدارية لإغلاق الفروع.
ويرى المحتجون من موقف السيسي أن عدم اتخاذ موقف رسمي داعم لحملات المقاطعة أو حماية الاقتصاد الوطني من المؤسسات الأجنبية التي تتورط في قضايا سياسية إنسانية، هو ضعف في الموقف الوطني الذي يؤثر على قوة الضغط الشعبي ويحجب التضافر السياسي والاقتصادي لتوسيع دائرة المقاطعة بدعم رسمي.
النتيجة
في أقل من عام، شهدت المنطقة انسحابًا غير مسبوق لسلسلة كارفور الفرنسية من أربع دول عربية أساسية، الأردن، عمان، البحرين، والكويت، هذه الانسحابات جاءت بعد حملات مقاطعة شعبية منظمة، ربطت نشاط كارفور بدعم الاحتلال الإسرائيلي، ما سبب ضغوطًا اقتصادية أجبرت ماجد الفطيم على إعادة هيكلة استثماراتها واستبدال العلامة التجارية في بعض الدول.
على المستوى السياسي، كشفت هذه الأحداث عن تباين واضح في مواقف الدول العربية تجاه حملات المقاطعة، خاصة في ظل صمت أو تحفظ من بعض الأنظمة، مما يثير تساؤلات حول جدوى وسياسات تعزيز مقاطعة المؤسسات ذات الصلة بالاحتلال في مواجهة حكم السيسي والنظام السياسي في المنطقة.
كما أن الحملات الشعبية لها تأثير مالي وسياسي ملموس في سوق يمكن أن يبدو للمؤسسات الاقتصادية فحسب، لكنها في الواقع معركة على الوعي والموقف السياسي والإنساني من قضايا المنطقة، ما يجعل أي قرار اقتصادي لا يمكن فصله عن السياق السياسي والاجتماعي.