حذّر الدكتور محمد حافظ، أستاذ هندسة السدود بجامعة يونيماب الماليزية، من موجة فيضانية جديدة قد تضرب مصر خلال الأيام القليلة المقبلة، مرجّحًا أن تبلغ ذروتها حول 10 أكتوبر الجاري، نتيجة التصريفات المرتفعة الصادرة من سد النهضة الإثيوبي منذ العاشر من سبتمبر الماضي، والتي تستغرق نحو 15 يومًا للانتقال من الهضبة الإثيوبية إلى الأراضي المصرية.

وقال حافظ، خلال تصريحات تلفزيونية، إن ما شهدته بعض قرى محافظتي المنوفية والبحيرة من ارتفاعات في منسوب النيل وغرق أراضي طرح النهر، لا يمثّل بعدُ الذروة الحقيقية، بل هو “تدفّق مبكر طبيعي” يسبق الموجة الأكبر المتوقعة خلال الأسبوع المقبل.


 

موجة فيضانية مؤجلة
وأشار الخبير المائي إلى أن الفيضان القادم ناتج عن التصريفات اليومية العالية من سد النهضة، والتي أعلنت عنها السلطات السودانية في بيان رسمي، إذ بدأ التصريف في 10 سبتمبر بمعدلات وصلت إلى نحو 750 مليون متر مكعب يوميًا، وهو ما غيّر أنماط الجريان في النيل الأزرق والنيل الرئيسي داخل السودان قبل أن تمتد آثاره إلى مصر مطلع أكتوبر.

وأوضح أن زمن انتقال الموجة الفيضانـية عبر السودان إلى مصر يتراوح بين 14 و15 يومًا، استنادًا إلى سرعة الجريان وطبيعة الانحدار، ما يجعل العاشر من أكتوبر نقطة حرجة لاحتمال بلوغ الذروة في بعض مناطق الدلتا والمنوفية.
 

تحذيرات من غياب التنسيق
وأكد حافظ أن سوء التنسيق الإثيوبي في تشغيل السد وعدم وجود آلية إنذار مبكر بين الدول الثلاث، يزيدان من خطورة الموقف، خصوصًا مع تزامن التصريفات العالية مع أمطار استثنائية على الهضبة الإثيوبية وداخل السودان، ما يفاقم احتمالات الغمر المائي في مناطق منخفضة بمجرى النهر.

وانتقد الخبير المصري ما وصفه بـ“السلوك الأحادي” في إدارة السد، مشيرًا إلى أن إثيوبيا افتتحت السد رسميًا في 9 سبتمبر ثم بدأت التصريف في اليوم التالي دون إخطار فني مسبق أو تنسيق تشغيلي، ما سبّب موجة اندفاع مائي نحو السودان ثم مصر.


 

 

ثغرات في إعلان مبادئ 2015
واستند حافظ في تحذيراته إلى غياب الضمانات القانونية الملزمة في إعلان مبادئ سد النهضة (2015)، ولا سيّما المبدأ الخاص بعدم التسبب في “ضرر ذي شأن”. وقال إن النص “فضفاض” ولا يحدّد مقاييس كمية للضرر أو آلية للتحكيم في حال وقوعه، مما يمنح الدولة المشغّلة — أي إثيوبيا — حرية واسعة في التقدير دون مساءلة فنية أو قانونية.

وأوضح أن هذا الوضع يجعل مصر والسودان عرضة لتقلبات تشغيلية مفاجئة، ما لم يتم الاتفاق على آلية ملزمة لتبادل البيانات والإنذار المبكر قبل أي تصريفات كبرى.
 

سيناريو الأيام المقبلة
بحسب التقديرات الفنية التي استعرضها حافظ، فإن المناطق المنخفضة في دلتا النيل ستظل الأكثر عرضة لموجة ارتفاع جديدة في المناسيب خلال الأيام المقبلة، لا سيما في المنوفية والبحيرة وبعض مناطق الدقهلية. ودعا إلى استمرار المراقبة اللحظية للمناسيب وتشديد إجراءات الحماية، خاصة مع تشبّع التربة بعد موجات سابقة.

وشدّد على أن الحل الجذري لا يكمن في “رد الفعل الطارئ”، بل في اتفاق تشغيل منسق وملزم بمعايير تصريف تدريجية ومخططات إنذار مبكر وتبادل بيانات آني، لضمان إدارة مستدامة للنهر وتفادي كوارث مستقبلية.
 

خط زمني للأحداث

  • 10 سبتمبر 2025: بدء تصريفات سد النهضة وفق البيان السوداني، تزامنًا مع أمطار غزيرة وموسم متأخر على الهضبة الإثيوبية.
  • 25 سبتمبر تقريبًا: بلوغ الذروة في السودان وظهور مخاطر على التروس الترابية والمناطق المنخفضة حول مجرى النهر.
  • 1–3 أكتوبر: انتقال أثر الزيادة إلى مصر وارتفاع المناسيب في محافظات المنوفية والبحيرة، مع رفع درجة الجاهزية في المناطق المتاخمة للنهر.
  • مطلع أكتوبر: توقعات الخبير الهيدرولوجي الدكتور محمد حافظ ببلوغ ذروة جديدة في حدود 10 أكتوبر، استنادًا إلى زمن انتقال الموجة عبر مجرى النهر.

وفي النهاية تأتي تحذيرات الدكتور محمد حافظ في وقت تتصاعد فيه مؤشرات الخطر على مجرى النيل، بين تصريفات إثيوبية متزايدة وفيضانات متأخرة، ما يجعل الأيام المقبلة اختبارًا حقيقيًا لقدرة إدارة المياه المصرية على امتصاص الموجة الفيضانـية وتجنّب كارثة محتملة، وسط دعوات متجددة لضرورة وجود اتفاق تشغيل عادل وشفاف يُجنّب دول وادي النيل الأضرار العابرة للحدود.