بالتوازي مع تضييق الخناق على منظمات المجتمع المدني، تواجه الحكومة التونسية انتقادات حقوقية واسعة تتعلق بممارساتها تجاه المهاجرين غير النظاميين، مما يرسم صورة قاتمة عن تراجع الحريات وحقوق الإنسان في البلاد . وتأتي هذه الانتقادات في وقت حساس، حيث يتهم مراقبون دوليون الحكومة التونسية بانتهاج سياسات قمعية ممنهجة، بينما تؤكد السلطات التزامها بالقانون الدولي في التعامل مع قضايا الهجرة .

 

خنق المجتمع المدني

 

أقدمت السلطات التونسية على خطوات وصفت بأنها تهدف إلى تقييد الفضاء المدني، حيث أعلن مكتب المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب في تونس عن تسلّمه قرارًا بتعليق أنشطته لمدة 30 يومًا .

 

وأكدت المنظمة التزامها بالقرار، مما يعني توقف المساعدة المباشرة لضحايا التعذيب وعائلاتهم خلال هذه الفترة . وتندرج هذه الخطوة ضمن سلسلة من الإجراءات التي استهدفت منظمات أخرى، مثل "الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات" و"المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، الذي تم تعليق نشاطه لمدة شهر أيضًا .

 

ويرى المنتدى أن هذا الإجراء "حلقة جديدة في مسار التضييق على الفضاء المدني المستقل، ومسعى وقح لإخضاع الأصوات الحرّة" .

 

وتتحدث تقارير إعلامية عن فتح تحقيقات قضائية في التمويل الأجنبي الذي تتلقاه منظمات مجتمع مدني مختلفة، وتجميد أصول بعضها، مما أدى إلى حل 47 جمعية وتجميد أصول 36 أخرى .

 

انتهاكات بحق المهاجرين

 

أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا صادمًا يدين "انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان" بحق المهاجرين غير النظاميين في تونس، مشيرة إلى وقوع حوادث اغتصاب وتعذيب . واستند التقرير، الذي غطى الفترة بين فبراير 2023 ويونيو 2025، إلى شهادات 120 لاجئًا ومهاجرًا، معظمهم من غينيا والسودان .

 

واتهمت المنظمة نظام الهجرة واللجوء في تونس بـ"العنصرية في النشاط الأمني، والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان، والاستخفاف عمومًا بأرواح وسلامة وكرامة اللاجئين والمهاجرين، ولا سيما السود منهم".

 

ووثق التقرير شهادات 14 مهاجرًا ولاجئًا تعرضوا للاغتصاب أو شهدوا حوادث اغتصاب وأشكال أخرى من التحرش الجنسي، كما عرض شهادات مروعة عن العنف الجنسي والضرب المبرح على أيدي الحرس الوطني التونسي . وتحدثت المنظمة مع 20 مهاجرًا من "السود" تعرضوا لاعتداءات على أيدي مجموعات من الناس في تونس العاصمة خلال شهري فبراير ومارس 2023 .

 

خطاب الكراهية والتواطؤ الأوروبي

 

ربطت منظمة العفو الدولية بين هذه الانتهاكات و"تحوّل خطير في سياسات وممارسات تونس بشأن الهجرة واللجوء منذ العام 2023"، والذي تأثر بخطاب "مُثير للقلق يدعو للكراهية والعنصرية وكراهية الأجانب" .

 

وأشارت إلى خطاب الرئيس التونسي قيس سعيّد في فبراير 2023، الذي حذر فيه من "جحافل من المهاجرين" من جنسيات إفريقيا جنوب الصحراء، معتبرًا أنهم "يهددون التركيبة الديموغرافية" لبلاده .

 

ولم تسلم الاتفاقيات الدولية من النقد، حيث انتقدت المنظمة الاتفاق المبرم بين الاتحاد الأوروبي وتونس في يوليو 2023 بشأن الهجرة غير القانونية، معتبرة أنه يفتقر إلى "ضمانات فعالة لحقوق الإنسان" .

 

وقالت العفو الدولية إن "الاتحاد الأوروبي يُسهم في ارتكاب وتطبيع انتهاكات حقوق الإنسان ضد الأشخاص الذين رحلوا عن بلدانهم" من خلال تعاونه مع تونس في هذا المجال .

 

وفي المقابل، أكد وزير الخارجية التونسي محمد علي النفطي أن جميع المهاجرين الذين دخلوا الأراضي التونسية بشكل غير قانوني سيتم ترحيلهم "في كنف احترام الذات البشرية" .

 

إلا أن هذه التصريحات تبدو متناقضة مع التقارير والشهادات الموثقة التي تكشف عن واقع مرير يعيشه المهاجرون في تونس .