لم يعد الجمود الذي يسيطر على سوق العقارات في مصر مجرد رقم في تقارير حكومية، بل تحول إلى أزمة اجتماعية واقتصادية تفضح عجز النظام عن إدارة أخطر ملف اقتصادي يلامس حياة ملايين المواطنين. بعد أكثر من عام على خطة الهيئة لتسويق آلاف الشقق في مشاريع الإسكان "الاقتصادي والمتوسط والفخم"، لم تتحقق أي نجاحات تذكر، وسط عزوف واضح عن الشراء، واتساع دائرة السخط بين المواطنين العاجزين عن دفع أسعار الوحدات أو تحمل شروط التقسيط المجحفة.

 

عجز حكومي وفشل تسويقي

 

رغم الحملات الإعلانية وخطط التسويق عبر شركات المحليات "سيتي إيدج وفاوندرز وهايد بارك والسعودية المصرية وتوريك"، لم تجد الهيئة المشترين للوحدات، إلا بنسب ضئيلة للغاية يصعب حتى الإفصاح عنها حكوميًا. هذا الإخفاق يكشف القطيعة التامة بين جهة حكومية ترفع الأسعار وتضيف الفوائد البنكية والرسوم الإضافية لتصل لشرائح محدودة من المحظوظين، وبين واقع اجتماعي هش يعاني انفجار التضخم، وانهيار القدرة الشرائية لأغلبية الأسر.

 

أسعار خارج المعقول وتقسيط خانق

 

تُباع الوحدات لسكان محدودي ومتوسطي الدخل بمبالغ تجاوزت سقف الإمكانيات لدى المواطن، مع عدم وجود أنظمة تقسيط تناسب دخول الأسر المصرية، إذ بات التقسيط مرتبطًا بفوائد مرتفعة للبنك المركزي ورسوم لصالح الدولة. لم تعد هناك إمكانية حقيقية للشراء المباشر أو السداد بدون فوائد؛ الحكومات السابقة كانت على الأقل توفر برامج دعم، بينما نظام قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي حوّل الإسكان إلى سلعة تكدست في مخازن المجتمعات العمرانية بلا مشترٍ.

 

سياسات عقيمة تزيد الأزمة

 

استجابة الهيئة لأزمة ضعف المبيعات لم تتجاوز تخفيض فائدة أقساط الأراضي للمطورين، في محاولة يائسة لتمرير وحدات ومشاريع فشلت في جذب طلب حقيقي. لم ترصد الهيئة أي حلول جوهرية تكسر أزمة أسعار الوحدات الفاخرة أو المتوسطة أو حتى الاقتصادية، تاركة المخزون يتضخم دون تدخل حقيقي يخفض تكلفة السكن أو يضع سياسة دعم فعلي للفئات الأكثر احتياجًا.

 

أثر الجمود على الاقتصاد والمجتمع

 

استمرار الركود ينذر بتداعيات خطيرة على القطاع العقاري وآلاف العاملين فيه، فضلاً عن حرمان المواطنين من أبسط حقوقهم في السكن الملائم؛ تكدس الشقق الفاخرة والمتوسطة لدى هيئة المجتمعات العمرانية، بدلًا من الاستفادة منها لحل أزمة السكن، يؤكد انسداد رؤية الدولة وانسحاب الحكومة من مواجهة الواقع الصعب في ظل تزايد أزمات البطالة، ارتفاع الأسعار، وفشل البرامج الحكومية القصيرة الأمد.

 

أثبتت تجربة حكومة السيسي أن السياسات العقارية الفاشلة لا تنتج إلا رقودًا وأزمات متتالية، وأن تحويل قطاع الإسكان إلى مضاربة بلا قواعد حقيقية، ترك المواطن المصري بين مطرقة أسعار تعجيزية وسندان تجاهل رسمي لحقوق الفقراء والمتوسطين. أزمة مخزون الوحدات السكنية وركود القطاع لاتزال مرشحة للتفاقم ما لم يتم تغيير جذري للسياسات الحكومية يعتمد على العدالة والسعر الحقيقي والدعم المباشر للمواطنين، بعيدًا عن مزاعم النظام حول "الجمهورية الجديدة" ونجاحاته الزائفة.