في الوقت الذي تحاول فيه الأذرع الإعلامية للنظام في القاهرة تلميع صورة "القائد" وتصدير مشاهد الاحتفالات المصطنعة، اختارت الجالية المصرية في هولندا أن تحيي ذكرى ميلاد عبد الفتاح السيسي، الموافق 19 نوفمبر، على طريقتها الخاصة.

 

فبدلاً من إيقاد الشموع، أشعل المصريون المحتشدون أمام المؤسسات الدولية في مدينة لاهاي –عاصمة العدالة الدولية– "شعلة الغضب"، مطالبين بمحاسبة النظام على سجل حقوقي وصفوه بـ"الأسود"، والإفراج الفوري عن آلاف المعتقلين الذين يواجهون الموت البطيء في السجون.

 

 

لاهاي: منصة لمحاكمة الاستبداد

 

اختيار مدينة لاهاي الهولندية لم يكن عشوائياً؛ فالمدينة التي تحتضن محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية تمثل رمزاً للعدالة التي يفتقدها المصريون في وطنهم. وقد تجمع العشرات من أبناء الجالية، متوشحين بالأعلام المصرية وصور المعتقلين، رافعين لافتات باللغات العربية والإنجليزية والهولندية، تفضح الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان في مصر.

 

وردد المتظاهرون هتافات تندد باستمرار سياسة تكميم الأفواه، مؤكدين أن "يوم ميلاد الجنرال هو يوم حداد للحرية في مصر". وطالب المحتجون المجتمع الدولي، وخاصة الاتحاد الأوروبي، بوقف سياسة "غض الطرف" عن ممارسات النظام المصري مقابل صفقات السلاح أو ملف الهجرة، مشددين على أن الاستقرار الحقيقي لا يُبنى على القمع.

 

 

"افتحوا المجال العام".. صرخة ضد الموت البطيء

 

ركزت الوقفة بشكل أساسي على ملف المعتقلين السياسيين، الذي يعد الجرح النازف في خاصرة الوطن. وندد المشاركون بما وصفوه بـ"سياسة التدوير" والحبس الاحتياطي المطول الذي تحول إلى عقوبة بحد ذاته، مشيرين إلى تقارير حقوقية حديثة توثق وفاة العشرات داخل السجون نتيجة الإهمال الطبي المتعمد، خاصة في سجون مثل "بدر" و"العاشر من رمضان" التي تفتقر لأدنى المعايير الآدمية.

 

كما رفع المحتجون لافتات تطالب بـ"فتح المجال العام"، وإنهاء حالة التأميم الكامل للحياة السياسية والإعلامية، مؤكدين أن مصر لن تتعافى إلا بعودة أبنائها المخلصين للمشاركة في بنائها، بدلاً من تغييبهم خلف الأسوار. وتضمنت المطالب الإفراج عن كافة سجناء الرأي، ووقف الملاحقات الأمنية للمعارضين في الخارج، والتي تصاعدت مؤخراً عبر مضايقات في القنصليات ورفض تجديد الأوراق الثبوتية.

 

رسالة عابرة للحدود: الصوت الذي لا يمكن كتمه

 

تأتي هذه الوقفة لتؤكد أن "القبضة الأمنية" التي نجحت في إخراس الأصوات داخل مصر، فشلت في كسر إرادة المصريين في الخارج. فمن قلب أوروبا، يواصل النشطاء المصريون فضح ممارسات النظام، مستغلين هامش الحرية المتاح هناك ليكونوا "صوت من لا صوت لهم".

 

واعتبر منظمو الوقفة أن خروجهم في هذا التوقيت يبعث برسالة واضحة: مهما طال أمد الاستبداد، فإن الذاكرة الجمعية للمصريين لن تنسى دماء الشهداء ولا معاناة المعتقلين، وأن محاولات النظام لتجميل وجهه عبر "الحوارات الوطنية" الشكلية لن تنطلي على أحد ما دامت السجون تبتلع خيرة شباب الوطن.

 

ختاما انفضت الوقفة، لكن صداها بقي يتردد في أروقة لاهاي، مذكراً العالم بأن في مصر شعباً لا يزال يناضل من أجل حريته وكرامته، وأن ذكرى ميلاد الحاكم المستبد ليست مناسبة للاحتفال، بل هي تذكير بضرورة استمرار النضال حتى استعادة الدولة المختطفة.