مع إسدال الستار رسميًا على صناديق الاقتراع في الجولة الثانية من انتخابات ما يسمى بـ"مجلس النواب المصري"، تكشفت أمام الجميع فصول واحدة من أكثر المسرحيات السياسية رداءة في تاريخ مصر الحديث.

 

ما جرى لم يكن عملية انتخابية بالمعايير الديمقراطية المتعارف عليها عالميًا، ولا حتى محاولة لتحسين الصورة الشكلية للنظام، بل كان "سوق نخاسة" سياسيًا مفتوحًا على مصراعيه، حيث بيعت الأصوات واشتريت الذمم في وضح النهار، تحت حماية أمنية ورعاية رسمية.

 

عدد الملاحظات والوقائع التي وثقها النشطاء والمواطنون والسياسيون على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة تحت وسم #مسخرة_الإنتخابات_المصرية، ترسم صورة قاتمة لنظام قرر إلغاء السياسة واستبدالها بـ"البلطجة" و"المال السياسي".

 

مهزلة "الضبط" الأمني.. در الرماد في العيون

 

في محاولة بائسة لتجميل الوجه القبيح للعملية، أعلنت وزارة الداخلية عن ضبط 42 قضية رشوة انتخابية ودعاية مخالفة، شملت القبض على عشرات المتورطين في محاولات شراء أصوات الناخبين أو توجيههم قسرًا لمرشحين بعينهم. تصدرت القاهرة القائمة بواقع 15 مخالفة، تلتها الغربية بـ 11، ثم المنوفية وكفر الشيخ ودمياط والقليوبية والدقهلية.

 

ورغم أن هذه الأرقام قد تبدو للوهلة الأولى دليلاً على "يقظة" أمنية، إلا أنها في الحقيقة لا تمثل سوى "ذر للرماد في العيون"؛ فهي نقطة في بحر من التجاوزات التي غضت الشرطة الطرف عنها، حيث كان "مستقبل وطن" ومرشحو السلطة يصولون ويجولون بحقائب الأموال دون حسيب أو رقيب، بينما تُحرر المحاضر للصغار أو للمنافسين غير المرغوب فيهم.

 

بورصة "شراء الذمم".. الصوت بـ 300 جنيه

 

تحول المشهد الانتخابي إلى "مزاد علني" مهين لكرامة المصريين. الأرقام المتداولة كشفت أن سعر الصوت وصل إلى 300 جنيه، وهو رقم يعكس مدى استرخاص النظام للمواطن الذي أفقره بسياساته الاقتصادية الفاشلة. وفي هذا السياق، سخر المغرد "محمد" من هذا الواقع المرير قائلاً: "ب 300 جنيه شرئ #ذمتهم = 23 ريال سعودي = 2 دينارين كويتي تتوقع كام عشان يخرج بمسيره ويهتف بأسمك". هذا التعليق يختصر المأساة؛ مواطن مطحون يبيع صوته بفتات لا يكفي وجبة غداء، لمرشح سيبيعه هو والوطن لاحقًا في البرلمان.

 

 

وعلى نفس المنوال، علق "بدر" بتهكم لاذع قائلاً: "عندما يشتري المرشح اصوات الناخبين بمئات الجنيهات للصوت الواحد فهذا يدل على نزاهة #الانتخابات_المصرية وأن الصندوق هو الفيصل". ويضيف موضحًا أن من يصلون للبرلمان هم "الشريحة الأغنى" والمنتمون لسلطة الانقلاب والموالون لها، في إشارة إلى أن البرلمان القادم سيكون ناديًا للأثرياء والمنتفعين فقط.


 

المعارضة تفضح "أصل الداء": السيسي قتل الشرعية

 

لم يكتفِ المعارضون برصد التفاصيل، بل ذهبوا لأصل المشكلة. الإعلامي محمد ناصر وضع يده على الجرح عندما قال: "السيسي قتل الشرعية بدبابته وجيشه وحكمه!". هذه العبارة تلخص الموقف؛ فمن جاء بانقلاب عسكري وداس على الدستور، لا يمكن أن ينتج عملية ديمقراطية نزيهة. الانتخابات في ظل هذا النظام ليست سوى ديكور لتجميل وجه الاستبداد.

 

 

السياسي عمرو عبدالهادي سخر ممن يتفاجأون بالتزوير، قائلاً: "كل واحد عامل فيديو يفضح تزوير الانتخابات المشكلة مش ان مفيش انتخابات اصلا عشان يفضحوها لكن المشكلة انهم شافو بعنيهم تزوير الانتخابات اللي جه بيها #السيسى للحكم". ويشير إلى أن الصراع الحالي هو صراع بين "لصوص"، حيث دفع بعض المرشحين ملايين لأمن الدولة ثم تم الغدر بهم، ليعلق ساخرًا: "احنا بنقول ظالمين مع ظالمين ملناش دعوه بيهم".

 

 

"تكنوقراط مصر": انتخابات القمع والدم

 

حزب "تكنوقراط مصر" قدم توصيفًا دقيقًا لما جرى، واصفًا انتخابات برلمان 2025 بأنها "الأسوأ على وجه الكوكب". وسرد الحزب قائمة الانتهاكات التي شملت: "اعتقال مرشح، الاعتداء على مرشح داخل لجنة الانتخابات، سيارة تصدم مرشح، اعتقال اخو مرشح، واعتقال فريق عمل لمرشح". هذه الممارسات تؤكد أننا لسنا أمام منافسة سياسية، بل أمام "حرب عصابات" تديرها الدولة ضد أي صوت يحاول الخروج عن النص المرسوم.
 

 

أصوات من الداخل: تحذيرات من "انفجار قادم"

 

حتى الأصوات المحسوبة على النظام بدأت تشعر بالخطر. المفكر السياسي مصطفى الفقي حذر صراحة قائلاً: "لا أتوقع أن يستمر المجلس في مدته المقبلة إذا ترصده البعض كما حدث في #انتخابات_2010". استدعاء ذكرى 2010، التي كانت الشرارة لثورة يناير، هو اعتراف ضمني بأن درجة التزوير والإقصاء وصلت لمرحلة تهدد استقرار النظام نفسه، وأن "غلق الدوائر" في وجه الجميع سيؤدي لانفجار حتمي.

 

 

نقد اجتماعي وصرخة لإنقاذ الوطن

 

في زاوية أخرى، وجه الصحفي مؤمن فندي نقدًا قاسيًا للمجتمع، معتبرًا أن "المال السياسي" كشف عن خلل قيمي عميق، حيث قال: "الشعب أكثر فسادًا من الحكومة؛ فالراشي والمرتشي وجهان لعملة واحدة". ويرى أن الحل لا يبدأ بالبرلمان بل بإعادة بناء الشخصية المصرية، مستنكرًا التناقض بين الافتخار بالتاريخ الفرعوني وإهانة النفس ببيع الصوت الانتخابي.
 

 

الناشطة رانيا الخطيب اختصرت المشهد بسخرية مريرة: "انتخابات معمولة في الحرفيين مش أي حاجة يعني"، في إشارة لكونها عملية "مفبركة" بشكل رديء ومكشوف للجميع.

 

 

واختتم المحامي طارق العوضي هذه الشهادات بصرخة تحذير أخيرة: "أوقفوا هذا العبث بمستقبل مصر.. الوطن واستقراره ليس ساحة مفتوحة يلوّثها مراهقون فاسدون"، مطالبًا بتدخل عاجل وحاسم، وهو نداء يبدو أنه يذهب أدراج الرياح في ظل نظام لا يسمع إلا صوته.

 

 

الخلاصة أن انتخابات 2025 لم تكن سوى فصل جديد من فصول تدمير الحياة السياسية في مصر، وتكريس حكم الفرد والمال الفاسد، تاركة الوطن والمواطن فريسة لبرلمان لا يمثل إلا مصالح من صنعوه.