أنهت بعثة صندوق النقد الدولي، الجمعة زيارتها إلى القاهرة بعد إجراء المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع مصر.
يأتي ذلك بعد أن بدأت بعثة الصندوق زيارة إلى مصر في 3 ديسمبر الجاري، لإجراء المراجعتين الخامسة والسادسة من قرض الصندوق بقيمة 8 مليارات دولار، واللتين سبق تأجيلهما لعدة شهور بسبب تأخر مصر في إتمام الإصلاحات.
وفي مارس 2024، تمكنت مصر، من زيادة حجم برنامج صندوق النقد من 3 إلى 8 مليارات دولار، ما مكّنها من جذب تمويلات واستثمارات ساهمت في دعمها للخروج من الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد بداية 2022، وسط أزمة نقص العملات الأجنبية وتضخم بلغ 38 بالمائة في سبتمبر 2023.
ويمتد البرنامج 46 شهًرا، ويهدف إلى تعزيز الاستقرار المالي وخفض العجز وتعزيز دور القطاع الخاص عبر خصخصة وتقليل سيطرة الدولة خاصة الشركات العسكرية.
وحتى الآن صرف 3.5 مليار دولار بعد المراجعة الرابعة في مارس 2025، أما المراجعة الخامسة والسادسة فمدمجتان ومقررتان في ديسمبر 2025 مع إمكانية صرف 1.7-2.5 مليار دولار إضافيين إذا نجحت.
وكشفت زيارة بعثة الصندوق في وقت سابق من هذا العام عن نقاط خلاف مستمرة تظل محورية في المراجعة الحالية.
وقال مشروع "حلول للسياسات البديلة"، التابع للجامعة الأمريكية بالقاهرة، إن الزيارة الحالية ستقيم أداء مصر لصرف الشريحة الأولى من تمويل صندوق المرونة والاستدامة- الذي وافق عليه الصندوق في مارس الماضي- بالإضافة إلى شريحة أخرى ضمن تسهيل الصندوق الممدد لعام 2022.
وبناءً على نتائج الزيارة، قد تحصل مصر على حوالي ملياري دولار أمريكي أو أكثر على شكل دفعات من القرض.
ويعتمد صرف شرائح القرض على تلبية معايير الأداء، التي تشمل الحد الأدنى من احتياطي النقد الأجنبي ومستهدفات الرصيد الأولي للموازنة والمؤشرات الهيكلية مثل سعر الصرف المرن، والترشيد المالي، وخفض دعم الوقود.
وبعيدًا عن شرائح القروض، تظل تقييمات الصندوق عاملًا محفزًا لوصول مصر إلى مصادر أخرى للتمويل الأجنبي، إذ تشير إلى سلامة الوضع المالي للدولة أمام الجهات الدائنة الأخرى.
أبرز نقاط الخلاف
خلال مؤتمر صحفي في أعقاب مراجعته الأخيرة لبرنامج القرض، أشار صندوق النقد إلى نقطتي خلاف رئيسيتن بشأن صرف شرائح القرض القادمة، وهما: بيع الشركات المملوكة للدولة، ورفع الدعم عن الوقود.
بيع الشركات المملوكة للدولة
ومنذ عام 2022، شهدت عمليات بيع الشركات المملوكة للدولة تباطؤًا نتيجة زيادة التضخم وانخفاض قيمة العملة، ما جعل من الصعب إجراء تقييمات للأصول، وذلك وفقًا لتصريحات الحكومة.
مع ذلك، واستباقًا للمراجعة القادمة، أعلنت الحكومة في أبريل 2025 عن طرح حصص في خمس شركات للبيع، معظمها مملوكة للجيش: الوطنية للبترول وشيل أوت وصافي وسايلو فودز والشركة الوطنية لإنشاء وتنمية وإدارة الطرق، حيث تم إدراج اثنين من هذه الكيانات (الوطنية وصافي) بالفعل ضمن خطط البيع منذ عام 2020.
وأعقب مجلس الوزراء هذا البيان بإجراء إحصاء للشركات المملوكة للدولة في سبتمبر، وتعيين بنوك استثمارية ومستشارين قانونيين لعشر شركات مملوكة للدولة لدعم عملية البيع.
وصرح وزير المالية أحمد كجوك في أكتوبر بأن الحكومة تستهدف جمع ما بين 1.25 - 1.5 مليار دولار من خلال طرح حصص في الشركات المملوكة للدولة بحلول يونيو 2026، مع توجيه نصف العائدات لخفض الدَّين. وعلى الرغم من التعهدات بإتمام صفقة واحدة على الأقل قبل نهاية العام، لم تنجح الحكومة في إتمام أي عملية بيع.
واعتمدت الحكومة في نهاية المطاف على صفقات استثمار الأراضي واسعة النطاق - لا طرح الشركات المملوكة للدولة - لتأمين النقد الأجنبي وخفض الدَّين، مثل صفقة رأس الحكمة بقيمة 35 مليار دولار، ومؤخرًا صفقة علم الروم بقيمة 29.7 مليار دولار.
إلغاء دعم الوقود
تمثلت النقطة الشائكة الثانية في توصيات صندوق النقد الدولي برفع أسعار الوقود إلى مستوى استرداد التكلفة، وتوجيه 50 بالمائة من العائدات لخفض عجز الموازنة.
وأحرز برنامج إصلاح دعم الطاقة تقدمًا ملحوظًا منذ اتفاقية صندوق النقد الدولي للفترة (2016-2019)، وإن كان بشكل متفاوت.
فقد ألغت الحكومة جميع أشكال دعم الكهرباء في السنة المالية 2019\2020 و2020/2021 على التوالي، بينما استمر دعم الوقود عند مستويات منخفضة جدًّا.
وأجبر انخفاض قيمة العملة والاعتماد على مصادر الطاقة المستوردة (الغاز الطبيعي) صانعي السياسات لاحقًا على إعادة دعم الكهرباء في السنة المالية 2022/2023، وزيادة دعم الوقود أيضًا.
وتسارعت معدلات زيادة أسعار الوقود مرة أخرى في أبريل 2025 بنسبة تصل إلى 15 بالمائة على كل المنتجات البترولية، تلتها زيادة ثانية بنسبة 10-13 بالمائة في أكتوبر 2025 على البنزين والديزل، بينما ارتفع سعر الغاز الطبيعي المضغوط بنسبة تقارب 43 بالمائة.
تُظهر موازنة السنة المالية 2025/2026 خفضًا بنسبة 51 بالمائة في دعم الوقود- بلغ تقريبًا 150 مليار جنيه- أي ما يعادل إجمالي دعم الوقود والكهرباء في العام السابق، الذي بلغ 75 مليار جنيه للوقود و75 مليار جنيه لدعم الكهرباء.
وتمكن المسؤولون الحكوميون من تحقيق الامتثال للمقاييس المتعلقة بالوقود عن طريق تحويل عبء الدعم من بنود الوقود - الظاهر في أسعار محطات الوقود - إلى حسابات الكهرباء.
وتُبرز المراجعة المرتقبة لصندوق النقد الدولي أداءً إصلاحيًّا متباينًا في مصر، إذ تظل بعض المتطلبات أسهل على الحكومة في التنفيذ مقارنة بغيرها. فالإجراءات التي تُحقق مكاسب مالية سريعة - مثل رفع أسعار الوقود وخفض الدعم والصفقات الاستثمارية الضخمة - تُمكّن الحكومة من إحراز تقدم ملموس مقارنة بمؤشرات الصندوق.
وسيعود القرار لصندوق النقد الدولي لتحديد ما إذا كانت هذه المكاسب تستوفي شروط السداد لديه، وبالتالي تستحق صرف مزيد من الشرائح.

