في قمة جامعة الدول العربية، جاء خطاب رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، مليئًا بالمغالطات المعتادة.
إلى جانب الترويج المعتاد لحل الدولتين – الذي تصرّ عليه القوى الدولية رغم أنه بات غير واقعي – بدا أن كوستا يتجاهل حقيقة أن التزام الاتحاد الأوروبي المزعوم بالسلام لم يمنع استمرار الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة.
إذا كانت الدبلوماسية مجرد ذريعة للفشل في منع الإبادة الجماعية، فإنها تفقد أي معنى، تمامًا مثل حل الدولتين.
ورغم أن أغلب خطابه ركّز على امتداح دور الاتحاد الأوروبي في تقديم المساعدات الإنسانية لغزة والدعوة إلى الالتزام بوقف إطلاق النار، فقد قدّم كوستا تصريحًا يُظهر بوضوح كيف ألحقت القوى الدولية الأذى بالفلسطينيين على مدى عقود، منذ أن دعمت وجود المشروع الصهيوني في فلسطين.
أكد كوستا على ضرورة احترام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، قائلًا: "يرفض الاتحاد الأوروبي بشكل قاطع أي محاولة لتغيير التركيبة السكانية أو الحدود الجغرافية في غزة أو أي مكان آخر في العالم، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي ومبادئنا الأساسية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة."
ازدواجية المعايير في المواقف الأوروبية
لكن لماذا يبدأ الاتحاد الأوروبي روايته من أحدث موجات العدوان، متجاهلًا السياق التاريخي الأوسع؟ صحيح أن الاتحاد الأوروبي لم يكن قد تأسس وقت خطة تقسيم فلسطين عام 1947، لكنه نشأ في ظل واقع استعماري، وساهم في ترسيخه عبر دعمه الدائم لإسرائيل.
إذن، أي التغييرات الديموجرافية والجغرافية في غزة يرفضها الاتحاد الأوروبي؟ هل يرفض فقط ما نتج عن العدوان الأخير، أم أنه يعترف بأن التغيير الديموجرافي والجغرافي لغزة بدأ منذ عقود؟
بحسب التقارير، تسببت الإبادة الجماعية الإسرائيلية في خفض عدد سكان غزة بنسبة 6%، أي ما يعادل 160 ألف شخص، لكن التغييرات الديموجرافية في غزة تعود إلى نكبة 1948، عندما فُرض على عشرات الآلاف من الفلسطينيين الناجين من المجازر الصهيونية اللجوء إلى القطاع. غزة نفسها، باعتبارها منطقة محاصرة، هي نتاج لهذا التغيير القسري.
إضافة إلى ذلك، فإن الحصار الإسرائيلي المستمر على غزة منذ 17 عامًا أدى إلى تعديلات مستمرة في جغرافيتها. ففي مايو 2024، كشفت الجزيرة أن إسرائيل استولت على 32% من أراضي غزة لإنشاء "منطقة عازلة". كما أن القصف الإسرائيلي المتكرر دمر أجزاء واسعة من القطاع على مدى السنوات، ليتم "إعادة بنائه" لاحقًا بدعم دولي، دون مساءلة إسرائيل.
الرفض الانتقائي للاستيطان
يبدو أن ما يرفضه الاتحاد الأوروبي حاليًا هو الخطة الأمريكية الإسرائيلية لتحويل غزة إلى مشروع استثماري ساحلي فاخر، وليس الاستعمار الاستيطاني ككل. لكن لماذا لم يعارض الاتحاد الأوروبي طوال العقود الماضية كل أشكال التهجير القسري والاستيطان الصهيوني؟
المعارضة الأوروبية لخطة ترامب لا تعني دعمًا حقيقيًا لحقوق الفلسطينيين، بل مجرد رفض لمشروع استعماري ينافس النفوذ الأوروبي في المنطقة؛ فالإدارة الأمريكية السابقة حاولت القضاء على حق اللاجئين الفلسطينيين من خلال إعادة تعريفهم بحيث لا يبقى لهم أي وضع قانوني دولي، والآن بات جميع سكان غزة لاجئين داخل وطنهم.
إذا كان الاتحاد الأوروبي جادًا في موقفه، فعليه أن يعارض الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي بالكامل، وليس فقط عندما يتعارض مع مصالحه السياسية. يجب أن يوضح موقفه بوضوح: هل يدعم حقوق الفلسطينيين فعليًا أم يواصل تواطؤه مع الاحتلال؟
https://www.middleeastmonitor.com/20250306-the-eu-needs-to-clarify-where-it-stands-on-gaza/