أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذا الأسبوع على أهمية تركيا للاتحاد الأوروبي، مشيرًا إلى أنه أصبح "من المستحيل بشكل متزايد" أن يظل الاتحاد لاعبًا عالميًا فعالًا بدون أنقرة.
وشدد على أن الأمن الأوروبي لا يمكن تحقيقه دون تركيا، داعيًا القادة الأوروبيين إلى التعامل مع ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد برؤية أكثر شمولية.
رغم أن تفاؤل أردوغان بشأن عضوية تركيا الكاملة قد يكون مبالغًا فيه، فإن تصريحاته تأتي في وقت يشهد تحولًا جذريًا في المشهد العالمي، حيث يتعرض حلف الناتو لضغوط متزايدة، مما قد يدفع بروكسل إلى إعادة تقييم علاقتها مع واشنطن وبحث تعزيز التعاون مع شركاء آخرين، ومن بينهم تركيا.
تحديات أوروبية في عصر ترامب
منذ أكثر من شهر، يحاول القادة الأوروبيون التعامل مع سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يسعى إلى فرض حرب تجارية على أوروبا وتهديد هيكل الأمن الذي اعتمدت عليه القارة لعقود.
فقد أعلن ترامب عزمه فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات الأوروبية، ووجه انتقادات حادة للاتحاد الأوروبي، وتبنى مواقف أقرب إلى روسيا في ملف أوكرانيا.
هذه التطورات دفعت القادة الأوروبيين إلى عقد اجتماعات طارئة، حيث حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر تهدئة التوترات مع ترامب دون جدوى.
كما تعرض ممثلو الاتحاد الأوروبي لتجاهل دبلوماسي من الإدارة الأمريكية، ما أثار قلقًا متزايدًا في بروكسل حول مستقبل العلاقات عبر الأطلسي.
تركيا.. شريك لا غنى عنه
دفعت هذه الأوضاع الاتحاد الأوروبي إلى إعادة التفكير في استراتيجيته الأمنية، خصوصًا في ظل إدراكه المتزايد لأهمية تركيا كشريك استراتيجي.
فتركيا تمتلك ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، وتسعى إلى تعزيز ميزانيتها الدفاعية، كما توسعت صناعتها العسكرية بشكل ملحوظ، حيث أصبحت منتجاتها تُستخدم في دول أوروبية مثل إسبانيا وبولندا ورومانيا.
ومع ذلك، تواجه تركيا مقاومة من بعض الدول الأوروبية التي تعرقل التعاون العسكري معها لأسباب سياسية، رغم أن أنقرة كان لها دور حاسم في دعم أوكرانيا منذ عام 2014، من خلال تزويدها بالأسلحة، وإغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل أمام السفن الحربية الروسية، والتوسط في مبادرات مثل اتفاق الحبوب في البحر الأسود.
علاوة على ذلك، تعد تركيا واحدة من الدول القليلة القادرة على التوسط بين روسيا وأوكرانيا، حيث يُنظر إليها في موسكو وكييف على حد سواء كوسيط محايد.
نهج جديد في العلاقات
مع تزايد أهمية تركيا في الهيكل الأمني الأوروبي، فإن حصر العلاقات في المجال العسكري فقط سيكون خطأً استراتيجيًا. فأنقرة تسعى إلى علاقة أكثر شمولًا مع الاتحاد الأوروبي تشمل التجارة والطاقة وحركة الأفراد.
في هذا السياق، أصبحت العلاقة التقليدية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، التي تعتمد على عملية انضمام متعثرة، غير مجدية. لذا، فإن نموذجًا أكثر واقعية يعتمد على المصالح المتبادلة قد يكون أكثر فاعلية.
يمكن أن يشمل هذا النموذج تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وتحسين شروط التأشيرات للمواطنين الأتراك، إلى جانب إبرام اتفاقيات تجارية شاملة، مثل اتفاقية تجارة حرة موسعة.
التعاون وفق المصالح المشتركة
رغم استمرار الخلافات في بعض الملفات، مثل الموقف من إسرائيل، فإن بناء علاقة أكثر مرونة سيمكن تركيا من التعاون مع الاتحاد الأوروبي في القضايا ذات الاهتمام المشترك، مع الحفاظ على استقلالية قراراتها في الملفات الشائكة.
في نهاية المطاف، تحتاج بروكسل إلى تبني نهج براجماتي يأخذ في الاعتبار أن المصالح قصيرة المدى لبعض الدول الأعضاء يجب ألا تعيق المصالح الاستراتيجية للاتحاد ككل.
فتركيا ليست مجرد دولة مجاورة، بل شريك لا غنى عنه في الأمن الأوروبي، ويجب التعامل معها وفق هذا المنظور الجديد.
https://www.middleeasteye.net/opinion/turkey-eu-relations-need-fundamental-rethink-why