تشهد الولايات المتحدة تصعيدًا غير مسبوق ضد الطلاب الأجانب الداعمين للقضية الفلسطينية، وذلك في إطار حملة تستهدف قمع أي مظاهر تعاطف مع المقاومة الفلسطينية، وخصوصًا في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023.
وتتمثل هذه الحملة في إلغاء تأشيرات الطلاب الأجانب وترحيلهم، تحت ذريعة دعمهم لحركة حماس أو انتقادهم للسياسات الإسرائيلية.
 

حملة "الإلغاء والترحيل".. قمع ممنهج بقيادة واشنطن
   
أعلن وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، إطلاق حملة "الإلغاء والترحيل" (Catch and Revoke)، والتي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي لمراقبة حسابات الطلاب الأجانب الحاصلين على تأشيرات دراسية في الجامعات الأمريكية.
وتهدف الحملة إلى كشف أي مظاهر تعاطف مع القضية الفلسطينية، سواء عبر دعم المقاومة أو انتقاد السياسات الأمريكية والإسرائيلية، وفقًا لتقارير موقع "أكسيوس".

وجاء هذا التصعيد استجابةً لأمر تنفيذي أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 29 يناير، يقضي بمكافحة ما وصفه بـ"معاداة السامية"، حيث تعهد بترحيل أي شخص أعرب عن دعمه لحركة حماس علنًا.
وقال ترامب بوضوح: "سنجدكم، وسنرحلكم"، كما شدد على إلغاء تأشيرات جميع الطلاب المتعاطفين مع حماس في الجامعات الأمريكية.
 

الذكاء الاصطناعي في خدمة القمع السياسي
   تعتمد الحملة على أنظمة مراقبة متطورة تستخدم الذكاء الاصطناعي لمتابعة النشاط الرقمي لعشرات الآلاف من الطلاب الأجانب.
حيث يتم تحليل محتوى منشوراتهم وتعليقاتهم على منصات التواصل الاجتماعي لتحديد مدى "تهديدهم" للأمن القومي الأمريكي، وفقًا لقانون الهجرة والجنسية لعام 1952.

وتشترك عدة جهات حكومية في تنفيذ هذه الحملة، من بينها وزارات الخارجية، والأمن الداخلي، والعدل، بالإضافة إلى وزارة الاتصالات.
ووفقًا للمصادر، فقد راجع المسؤولون الفيدراليون أكثر من 100 ألف ملف لطلاب حاصلين على تأشيرات أمريكية منذ عملية "طوفان الأقصى"، وذلك لاتخاذ إجراءات ضد المشاركين في الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل.
 

إدارة ترامب.. تمويل الجامعات سلاح لإسكات المعارضين
   لم تقتصر إجراءات إدارة ترامب على الترحيل وإلغاء التأشيرات، بل امتدت إلى تهديد الجامعات الأمريكية بوقف التمويل الفيدرالي في حال سماحها بتنظيم احتجاجات داعمة لفلسطين.
ففي 4 مارس، أعلنت الإدارة عن مراجعة شاملة للمنح والعقود الفيدرالية الممنوحة لجامعة كولومبيا، مبررةً ذلك بعدم اتخاذ الجامعة إجراءات صارمة ضد ما وصفته بـ"معاداة السامية".

كما وقع ترامب أمرًا تنفيذيًا يقضي بقطع التمويل الفيدرالي عن أي مؤسسة تعليمية لا تتخذ إجراءات ضد الاحتجاجات الطلابية.
وحذر من أن الطلاب الأمريكيين الذين يحرضون على الاحتجاجات سيواجهون الفصل من جامعاتهم، بينما سيتم ترحيل الطلاب الأجانب إلى بلدانهم الأصلية.
 

انتكاسة جديدة للحريات الأكاديمية وحرية التعبير
   يثير هذا التصعيد مخاوف كبيرة بشأن مستقبل الحراك الطلابي في الولايات المتحدة، حيث يواجه الطلاب خطر الطرد والاعتقال والترحيل بسبب آرائهم السياسية.
كما تواجه الجامعات تحديات غير مسبوقة قد تدفعها إلى إعادة النظر في سياساتها بشأن النشاط السياسي داخل الحرم الجامعي، خشية تعرضها لعقوبات مالية صارمة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الإجراءات تمثل انتكاسة خطيرة للحريات الأكاديمية وحرية التعبير، حيث تتحول الجامعات إلى ساحة قمعية تخضع لضغوط سياسية تهدف إلى إسكات أي صوت معارض للسياسات الأمريكية والإسرائيلية.
 

الحراك الطلابي.. صمود رغم القمع
   رغم التهديدات المتزايدة، من غير المتوقع أن يختفي الحراك الداعم لفلسطين، بل قد يتخذ أشكالًا جديدة بعيدًا عن الأطر الأكاديمية التقليدية.
فالعديد من الجمعيات والمنظمات المدنية المناصرة للحقوق الفلسطينية تواصل نشاطها، مما يفتح المجال أمام استمرار هذه الحركة خارج الجامعات.

وتعكس هذه السياسات الإصرار الأمريكي على دعم إسرائيل دون قيد أو شرط، في محاولة لاحتواء الغضب الشعبي العالمي الذي تصاعد بعد عملية "طوفان الأقصى"، والتي أدت إلى تغيير المزاج العام تجاه القضية الفلسطينية.