تشهد جمهورية جنوب السودان موجة متزايدة من التوترات السياسية والأمنية، في ظل اعتقالات متكررة لمسؤولين بارزين واشتباكات دامية بين القوات الوطنية ومجموعات مسلحة.
وتثير هذه التطورات مخاوف إقليمية ودولية من انهيار اتفاق السلام الهش الذي تم التوصل إليه عام 2018.
اعتقالات تطال مسؤولين بارزين
في أحدث تطور للأحداث، قامت قوات الأمن الوطني التابعة للرئيس سلفاكير ميارديت باعتقال ستيفن بار كول، الوزير المعني بجهود السلام، في خطوة زادت من حدة التوتر في البلاد.
وأكد المتحدث باسم النائب الأول للرئيس، رياك مشار، أن الاعتقال تم خلال ساعات الصباح الأولى من يوم الخميس الماضي، مشيرًا إلى أنه يأتي ضمن حملة واسعة تستهدف المسؤولين المقربين من مشار.
وكانت الاعتقالات قد بدأت منذ بداية الأسبوع الماضي، حيث احتُجز وزير النفط ونائب قائد الجيش، إلى جانب مسؤولين عسكريين بارزين آخرين، ما يعكس صراعًا داخليًا متزايدًا داخل حكومة الوحدة الوطنية.
اشتباكات عنيفة في أعالي النيل
بالتزامن مع هذه الاعتقالات، شهدت ولاية أعالي النيل الشمالية مواجهات دامية بين القوات الوطنية ومليشيا "الجيش الأبيض"، وهي مجموعة مسلحة تتكون بشكل رئيسي من أبناء قبيلة النوير التي ينتمي إليها رياك مشار.
وقد تسببت الاشتباكات في مقتل العشرات ونزوح مئات العائلات، وسط مخاوف من تصاعد العنف إلى مستويات أشد.
ووفقًا لمصادر محلية، فقد اندلعت المواجهات بعد هجوم على حامية عسكرية قرب بلدة الناصر، حيث تتهم الحكومة قوات مشار بالتنسيق مع "الجيش الأبيض" لتنفيذ هذا الهجوم.
ولم تصدر السلطات بيانًا رسميًا حول هذه الاتهامات، لكن وزير الإعلام مايكل ماكوي أكد أن الحكومة لن تتهاون مع أي تهديد للأمن والاستقرار.
هجوم على طائرة أممية وسقوط قتلى
في تصعيد خطير للأحداث، تعرضت طائرة مروحية تابعة للأمم المتحدة لهجوم أثناء محاولتها إجلاء جنود من بلدة الناصر، مما أسفر عن مقتل 27 جنديًا.
ووصفت بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان الهجوم بأنه "بغيض للغاية وقد يشكل جريمة حرب"، داعية إلى تحقيق فوري لمحاسبة المسؤولين عن الحادث.
رئيس البعثة الأممية، نيكولاس هايسوم، أعرب عن استيائه الشديد، مشيرًا إلى أن الأمم المتحدة تلقت ضمانات بمرور آمن للطائرة قبل الهجوم، مما يثير تساؤلات حول مدى السيطرة الفعلية للحكومة على الأوضاع الأمنية في البلاد.
ردود فعل دولية وإقليمية
أثار التصعيد في جنوب السودان ردود فعل واسعة من المجتمع الدولي، حيث أصدرت سفارات الولايات المتحدة وكندا ودول أوروبية بيانًا مشتركًا تدين فيه الهجوم على الطائرة الأممية، داعية القادة السياسيين في جوبا إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع تفاقم الأوضاع.
كما دعت منظمة "إيغاد" والاتحاد الأفريقي إلى التدخل الفوري لوقف العنف، محذرين من أن استمرار التوتر قد يؤدي إلى انهيار اتفاق السلام المبرم عام 2018، والذي أنهى حربًا أهلية استمرت لخمس سنوات وأسفرت عن مقتل نحو 400 ألف شخص.
قلق سوداني من تداعيات الأزمة
على الجانب الآخر، أثارت الأحداث في جنوب السودان قلقًا واسعًا في السودان، حيث يخشى المراقبون من تأثير التوترات على المناطق الحدودية بين البلدين.
وأكد خبراء أمنيون أن تصاعد العنف قد يؤدي إلى تدفق موجات جديدة من اللاجئين نحو السودان، مما يزيد من تعقيد الأوضاع الإنسانية في البلاد.
وناشد ناشطون سودانيون الحكومة باتخاذ إجراءات احترازية لتعزيز الأمن على الحدود، خاصة في ولاية النيل الأبيض، التي قد تصبح نقطة عبور رئيسية للفارين من الصراع.
كما دعوا إلى تعزيز التعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية لمنع تدهور الوضع إلى أزمة إنسانية شاملة.
تحذيرات أممية من تدهور الوضع
في ظل هذه التطورات المتسارعة، أصدرت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تحذيرًا من تزايد العنف والانقسامات السياسية في جنوب السودان، داعية القادة إلى التركيز على تنفيذ اتفاق السلام بدلاً من تأجيج الصراع.
وأكدت رئيسة اللجنة، ياسمين سوكا، أن الاعتقالات الأخيرة والاشتباكات المتزايدة تهدد التقدم الذي تم تحقيقه بشق الأنفس على مدى السنوات الماضية، محذرة من العودة إلى دوامة العنف التي عانت منها البلاد في الماضي.