في فصل جديد من فصول القتل البطيء الممنهج داخل سجون نظام عبد الفتاح السيسي، لفظ المعتقل السياسي صالح عايد ربيع، البالغ من العمر 40 عامًا، أنفاسه الأخيرة داخل سجن المنيا العمومي.
لم تكن وفاته طبيعية، بل كانت تتويجًا مأساويًا لثمانية أشهر من الصراع المرير مع مرض السرطان، وثمرة لإهمال طبي متعمد وإصرار من قبل إدارة السجن على حرمانه من أبسط حقوقه الإنسانية: الحق في العلاج.
قصة صالح عايد ليست مجرد حالة فردية، بل هي نموذج صارخ لسياسة "التصفية غير المباشرة" التي ينتهجها النظام ضد معارضيه خلف القضبان.
صراع مع المرض وتجاهل متعمد
بدأت رحلة معاناة صالح عايد، المعتقل منذ أغسطس 2013، قبل قرابة عام من وفاته بظهور ورم في رقبته. تجاهلت إدارة السجن حالته تمامًا، واكتفت بتقديم المسكنات كحل لكل آلامه.
ومع مرور الوقت، وكما كان متوقعًا في غياب أي تدخل طبي حقيقي، بدأ الورم السرطاني بالانتشار في أنحاء جسده، لتتدهور حالته بشكل دراماتيكي.
وفقًا لاستغاثات أسرته والتقارير الحقوقية، عانى صالح في أيامه الأخيرة من أعراض خطيرة شملت انخفاضًا حادًا في ضغط الدم وارتفاعًا مستمرًا في درجة الحرارة، وهي مؤشرات كانت تستدعي نقله الفوري إلى مستشفى متخصص.
لكن كل محاولات الأسرة وطلباتها الرسمية المتكررة لنقله إلى مستشفى أورام أو حتى مستشفى حكومي، قوبلت بالرفض التام واللامبالاة من قبل إدارة السجن. لقد كان القرار واضحًا: ترك صالح عايد ليموت ببطء داخل زنزانته.
إدانة حقوقية ومسؤولية كاملة
حمّلت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، التي وثقت الحالة منذ بدايتها، المسؤولية الكاملة عن وفاة صالح عايد لكل من مصلحة السجون، وإدارة سجن ليمان المنيا، والنائب العام.
وأكدت الشبكة أن ما حدث هو "نموذج صارخ" لتدهور الرعاية الصحية في السجون، وهو ما يعرض حياة آلاف المعتقلين للخطر، في انتهاك واضح وصريح للدستور المصري والمواثيق الدولية، وعلى رأسها "قواعد نيلسون مانديلا" التي تكفل للسجين الحق في الحصول على رعاية صحية تماثل تلك المتاحة خارج السجون.
إن وفاة صالح عايد لم تكن نتيجة مرض عضال فقط، بل كانت جريمة مكتملة الأركان بطلها الإهمال المتعمد الذي وصفته أسرته بأنه يهدف إلى "تصفية المعتقلين سياسيًا بطريقة غير مباشرة".
إهانة حتى بعد الموت
لم تتوقف وحشية النظام عند ترك صالح يواجه الموت وحيدًا دون علاج، بل امتدت إلى ما بعد وفاته. فقد احتجزت السلطات جثمانه لمدة يومين قبل أن تسلمه لأسرته. وفي إمعان في إذلال الأسرة ومحو أي أثر عام للضحية، أُجبرت العائلة على دفنه فجرًا، في حراسة أمنية، ودون السماح بإقامة صلاة الجنازة عليه.
إن قصة وفاة صالح عايد هي شهادة دامغة على أن السجون في عهد السيسي لم تعد أماكن للاحتجاز، بل تحولت إلى مقابر بطيئة، يُستخدم فيها الإهمال الطبي كسلاح لقتل المعارضين بصمت، بعيدًا عن أعين الكاميرات وضجيج المحاكمات.