يظهر نظام جديد في الشرق الأوسط، حيث تعزز السعودية مكانتها كأقوى دولة عربية. ومع عودة إدارة ترامب إلى البيت الأبيض، تلوح فرصة لتعزيز الشراكة بين الرياض وواشنطن بهدف احتواء إيران وإعادة التوازن الإقليمي.
تراجع نفوذ إيران
منذ ثورة 1979، اعتمدت إيران على دعم جماعات مسلحة في الشرق الأوسط لتوسيع نفوذها، مبررة ذلك بمفهوم "الدفاع المتقدم" ضد خصومها، خصوصًا إسرائيل والولايات المتحدة. لكن هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 غيّر المعادلة، إذ شن حزب الله والحوثيون وفصائل عراقية هجمات متزامنة على إسرائيل، ما أدى إلى تصعيد عسكري كبير.
ردت إسرائيل بإضعاف حماس وحزب الله، وأصبحت أكثر تصميماً على كبح النفوذ الإيراني في المنطقة. في غضون ذلك، عززت إدارة بايدن الدعم العسكري لإسرائيل، ومن المتوقع أن تواصل إدارة ترامب هذا النهج بصرامة أكبر.
إحدى الضربات الكبرى لإيران كانت مقتل حسن نصر الله، زعيم حزب الله، في غارة إسرائيلية عام 2024، ما أدى إلى إضعاف ما يسمى "محور المقاومة". كذلك، أعادت واشنطن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية وفرضت عقوبات جديدة على شبكة النفط الإيرانية، مما زاد الضغوط على طهران.
التحول نحو المصالح السعودية
في ظل حاجة الرياض للاستقرار لتحقيق "رؤية 2030"، انتهجت السعودية سياسة التهدئة مع إيران، وتمكنت في 2023 من استئناف العلاقات معها بوساطة صينية. لكن تراجع النفوذ الإيراني يمنح السعودية فرصة لاستعادة ريادتها العربية.
في فلسطين، ورغم استمرار الانقسام بين حماس والسلطة الفلسطينية، تتزايد الدعوات للوحدة الوطنية، فيما تدفع السعودية لإحياء مبادرة السلام العربية لعام 2002 كشرط لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
في لبنان، انتُخب رئيس جديد في يناير 2025، بعد عامين من الفراغ السياسي بحضور مراقبين سعوديين وأمريكيين. تبع ذلك زيارة وزير الخارجية السعودي إلى بيروت، حيث أعلن دعم بلاده للقيادة اللبنانية الجديدة.
وفي سوريا، زارت الحكومة الانتقالية السعودية في أول رحلة دبلوماسية بعد سقوط نظام بشار الأسد، وردت الرياض بزيارة رسمية إلى دمشق لدعم المرحلة الانتقالية. وفي العراق، تسعى الحكومة لدمج الميليشيات في مؤسسات الدولة، بينما عززت علاقاتها العسكرية مع السعودية عبر اتفاقية دفاعية في نوفمبر 2024.
التقارب الأمريكي السعودي
تسعى إدارة ترامب لاستغلال هذه التحولات لتعزيز شراكتها مع السعودية، حيث يساعد الاستقرار في المنطقة واشنطن على التركيز على آسيا وتعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول العربية. كما أن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل سيحقق فوائد دبلوماسية وأمنية ومالية للطرفين وللولايات المتحدة.
في هذا السياق، التزمت الرياض بضخ 600 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي خلال السنوات الأربع المقبلة، فيما تدعم واشنطن الدور السعودي في لبنان وسوريا وغزة. كما تسعى أمريكا لاحتواء إيران من خلال فرض مزيد من العقوبات واستهداف شبكات حزب الله المالية والميليشيات الإيرانية.
لدى الولايات المتحدة فرصة تاريخية لإعادة رسم التوازن الإقليمي بما يخدم مصالحها ومصالح حلفائها، شرط تجنب الأخطاء السابقة التي سمحت لإيران بتوسيع نفوذها.