زاد اهتمام القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (يو أس أفريكوم) بليبيا بعد الهجوم العسكري الذي شنته قوات تابعة لمجلس النواب على العاصمة طرابلس في 2019. من أخطر تداعيات هذا الهجوم كان الحضور العسكري المباشر للقوات الأجنبية، لا سيما الروسية والتركية. وبينما لا تشكل القوات التركية مصدر قلق لواشنطن، فإن التواجد الروسي في ليبيا يثير مخاوف الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، وهو ما يظهر في تصريحات مسؤوليهم وتحركاتهم الميدانية.

 

دور القيادة الأمريكية في احتواء التوترات

أدت يو أس أفريكوم دورًا رئيسيًا في احتواء التوترات العسكرية والأمنية بين الأطراف الليبية. ولا يمكن فصل حالة الهدوء النسبي على جبهات القتال عن التدخلات الأمريكية، واتفاق وقف إطلاق النار، والمفاوضات التي تمت من خلال اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، بالإضافة إلى مسارات أخرى غير معلنة رسميًا.

ودعمت يو أس أفريكوم المبادئ الرئيسية التي تم الاتفاق عليها في إطار 5+5، والتي شملت وقف إطلاق النار، تحقيق الاستقرار، سحب المرتزقة والقوات الأجنبية، وتوحيد الجيش الليبي. وكان من المفترض تنفيذ هذه البنود بشكل متسلسل، بحيث يُسحب المرتزقة بعد وقف إطلاق النار، ثم يتم توحيد الجيش. ومع ذلك، لم يتحقق تقدم ملموس في مسألة انسحاب المرتزقة والقوات الأجنبية، باستثناء سحب بعض المقاتلين الأجانب من تشاد والسودان، بينما بقيت القوات الروسية والتركية بسبب تعقيدات جيوسياسية تمتد إلى مناطق أوسع في شمال ووسط وجنوب إفريقيا.

 

توحيد الجيش كمدخل لسحب القوات الأجنبية

يبدو أن الأمريكيين لجأوا إلى خيار توحيد الجيش الليبي كعامل أساسي لدفع القوات الأجنبية إلى الخروج من البلاد، خاصة مع تعثر تحقيق التوافق السياسي بين الفصائل الليبية حول الدستور والانتخابات.

وقد أكد تقرير نشرته مجلة أفريكان ديفينس فوريوم، التابعة ليو أس أفريكوم على اهتمام المسؤولين الأمريكيين بضرورة توحيد المؤسسات العسكرية الليبية لضمان الاستقرار الأمني والتصدي للمخاطر الناجمة عن وجود المرتزقة وشبكات التهريب غير الشرعية. ومع ذلك، لم يشر التقرير إلى إحراز تقدم فعلي في هذا الملف، بل اكتفى بالإشادة بتعاون الأطراف الليبية واتفاقها على آليات التعاون مع الولايات المتحدة لحل العوائق التي تحول دون توحيد الجيش في الشرق والغرب.

 

العقبات التي تعرقل تنفيذ الاتفاقات العسكرية

يواجه تنفيذ البنود العسكرية والأمنية المتفق عليها في 5+5 تحديات كبيرة، أبرزها ارتباط المصالح والنفوذ بين الأطراف الليبية المتصارعة والدعم الخارجي، لا سيما من روسيا وتركيا. بالإضافة إلى ذلك، هناك إصرار على تبعية جميع القوات للقيادة العامة للجيش بقيادة خليفة حفتر، الذي يتمتع بنفوذ واسع في الشرق الليبي، مما يخلق خلافات حول الهيكلية العسكرية الموحدة.

لا يُتوقع أن تتدخل يو أس أفريكوم بشكل مباشر لحل هذه القضايا، لكنها تراهن على إحراز تقدم في توحيد هيئة الأركان العامة للجيش الليبي. ورغم إمكانية تحقيق بعض النتائج الإيجابية في هذا الإطار، فإن نجاح جهود توحيد الجيش يظل مرهونًا بالاستقرار السياسي وحل القضايا العالقة التي تكرس الانقسام المؤسسي.

 

المصالح الأمريكية والصراع بين القوى الليبية

تسعى الولايات المتحدة لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية الليبية بهدف مواجهة التحديات الأمنية في ليبيا والمنطقة، وحماية السيادة الليبية من أي تدخلات خارجية. إلا أن تحقيق ذلك يتطلب إصلاحات هيكلية في المنظومة العسكرية والأمنية، وهو ما يتعارض مع مصالح القوى النافذة في الشرق والغرب.

في الغرب الليبي، وخاصة في طرابلس، تتمتع الجماعات المسلحة المحلية بنفوذ يفوق نفوذ القوات النظامية، مما يجعلها غير مستعدة للقبول بجيش موحد على غرار النموذج المطبق في الشرق، حيث يسيطر الجيش على الجوانب العسكرية والأمنية والسياسية.

وفي ظل الضغوط الأمريكية لطرد الروس، والتعقيدات العسكرية والأمنية والسياسية داخل ليبيا، قد ينتهي مشروع يو أس أفريكوم بتشكيل كيان عسكري غير متماسك يفتقر إلى الفعالية والتأثير الحقيقي. يضاف إلى ذلك الغموض المحيط بالسياسات الأمريكية تجاه ليبيا، خاصة في ظل إدارة دونالد ترامب، التي قد تتخذ مواقف مغايرة لما تخطط له القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا.

https://www.middleeastmonitor.com/20250312-us-africa-command-and-efforts-to-unify-the-libyan-army/