في 11 مارس، استضافت السعودية محادثات أسفرت عن اتفاق الولايات المتحدة وأوكرانيا على وقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا في الحرب ضد روسيا.
يُعد هذا الاتفاق أهم تقدم دبلوماسي منذ بدء الغزو الروسي قبل ثلاث سنوات، حيث شمل استئناف المساعدات العسكرية الأمريكية لكييف وتقاسم الموارد المعدنية الأوكرانية، مما وضع الكرة في ملعب موسكو لاتخاذ قرارها.

لكن العامل الأبرز في هذه التطورات لم يكن مجرد التوصل إلى الاتفاق، بل هوية الوسيط الذي قاد المفاوضات. لعبت السعودية دورًا بارزًا في الوساطة، مما عزز مكانتها كفاعل رئيسي في حل واحدة من أكثر النزاعات دموية في أوروبا الحديثة.

في الدبلوماسية الدولية، لا يعتمد النفوذ فقط على القوة العسكرية أو الاقتصادية، بل على القدرة على التوسط بين الأطراف المتنازعة.
ورغم أن القوى الكبرى تسيطر عادةً على هذه الأدوار، فإن قوى "متوسطة" مثل السعودية وتركيا أصبحت تلعب دورًا متزايدًا في الساحة الدبلوماسية.
 

تركيا والسعودية في سباق الوساطة
   
شهدت السنوات الأخيرة تزايد نفوذ بعض الدول المتوسطة في الوساطة، مثل قطر في مفاوضات أفغانستان وغزة، والسعودية في محادثات السلام السودانية، والإمارات في محاولات الوساطة بين الهند وباكستان، وتركيا بين إثيوبيا والصومال.

لكن الملف الأوكراني هو "الجوهرة" التي تتنافس عليها هذه القوى. وبينما قامت دول مثل قطر والإمارات بجهود محدودة مثل تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، تسعى كل من تركيا والسعودية لدور أكبر يشمل إنهاء الحرب.

في 18 فبراير، استضافت السعودية محادثات جمعت مسؤولين أمريكيين وروسًا في أول لقاء مباشر بين الجانبين منذ بداية الحرب. في الوقت نفسه، زار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تركيا للقاء نظيره رجب طيب أردوغان.
ومع علمه بالمحادثات في الرياض، دفع زيلينسكي أنقرة للعب دور في أي مفاوضات مستقبلية، في إشارة إلى استيائه من استبعاده من محادثات السعودية.

بعد ذلك، زار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أنقرة، وتبع ذلك اجتماع في إسطنبول بين مسؤولين روس وأمريكيين في 27 فبراير، ما أظهر تنافسًا دبلوماسيًا بين الرياض وأنقرة.
 

التحديات أمام الوساطة التركية
   
منذ بداية الغزو الروسي في 2022، حاولت تركيا تقديم نفسها كوسيط رئيسي بين كييف وموسكو، مستفيدة من علاقاتها القوية مع الطرفين.
وقد نجحت في تحقيق بعض التقدمات، مثل التوسط في اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، واستضافة "محادثات إسطنبول" في بداية الحرب.

لكن نفوذ أنقرة تراجع مؤخرًا. فروسيا انسحبت من اتفاق الحبوب في 2023، وتقدمت محادثات السلام إلى مسارات أخرى، مثل المحادثات التي تستضيفها السعودية.
كما أن روسيا فقدت الثقة في حياد تركيا بسبب دعمها العسكري لأوكرانيا للطائرات المسيرة، مما جعل موسكو تشكك في دورها كوسيط محايد.

الولايات المتحدة أيضًا مترددة بشأن الوساطة التركية، حيث صرح كيث كيلوج، مبعوث إدارة ترامب الخاص لأوكرانيا، بأن "محادثات إسطنبول" لم تعد مناسبة كأساس لحل النزاع.
 

السعودية تكتسب الزخم
   
على عكس تركيا، يبدو أن السعودية تحظى بقبول أوسع كوسيط، حيث اجتمعت كل من واشنطن وموسكو وكييف في الرياض لإجراء محادثات، ما يعكس توافقًا دوليًا على دورها.

ومع ذلك، لا تزال تركيا مصممة على تعزيز دورها الدبلوماسي. فقد صرح الرئيس أردوغان مؤخرًا بأن بلاده تعمل على تحويل نفسها إلى "مركز رئيسي للدبلوماسية والسلام".
لكن مع استمرار المنافسة من قوى مثل السعودية، يبدو أن أمام أنقرة طريقًا طويلًا لتحقيق طموحاتها في مجال الوساطة الدولية.

https://www.middleeastmonitor.com/20250314-the-mediation-wars-how-turkiye-and-saudi-arabia-compete-for-the-ukraine-file/