يشهد المجتمع البريطاني تصاعدًا غير مسبوق في جرائم الكراهية ضد المسلمين، وسط تقاعس واضح من الحكومة في مواجهة هذه الظاهرة.
وقد زادت حدة هذه الكراهية عقب الهجوم الذي وقع الصيف الماضي في بلدة ساوثبورت، حيث انتشرت شائعات كاذبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بأن مرتكب الجريمة مسلم، مما أدى إلى اندلاع أعمال عنف استهدفت المسجد المحلي، حيث هاجم مئات من أنصار اليمين المتطرف المبنى بالحجارة والزجاجات، مرددين شعارات معادية للإسلام.
ورغم أن الجاني لم يكن مسلمًا، إلا أن هذه الأحداث أظهرت كيف يمكن أن تؤدي المعلومات المضللة إلى تأجيج العنف الطائفي.
ورغم تعهده باستخدام "القوة الكاملة للقانون" ضد المتورطين في هذه الاعتداءات، فإن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر اتخذ قرارًا مثيرًا للجدل بقطع التمويل عن منظمة "تيل ماما"، التي تعد الجهة الرئيسية لرصد جرائم الكراهية ضد المسلمين في بريطانيا.
وتعمل المنظمة، التي تأسست عام 2012، على توثيق حوادث الإسلاموفوبيا والتعاون مع الشرطة لدعم الضحايا.
ومع ذلك، أعلنت وزارة الإسكان والمجتمعات المحلية (MHCLG) أنها لن تمدد التمويل للمنظمة، مما يهدد بإغلاقها خلال أسابيع.
تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن المسلمين كانوا الأكثر استهدافًا بجرائم الكراهية الدينية في بريطانيا، حيث بلغت نسبتهم 38% من إجمالي هذه الجرائم، تليهم الجالية اليهودية بنسبة 33%.
ويعزو المراقبون تصاعد الإسلاموفوبيا جزئيًا إلى الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث شهدت بريطانيا ارتفاعًا ملحوظًا في الهجمات ضد المسلمين منذ أكتوبر 2023.
وفي حين أن منظمة "تيل ماما" تواجه خطر الإغلاق، فإن منظمة "الصندوق الأمني للجالية" (CST)، التي توفر الحماية للجالية اليهودية، لا تزال تتلقى دعمًا حكوميًا ثابتًا من وزارة الداخلية، ما يثير تساؤلات حول ازدواجية المعايير في التعامل مع جرائم الكراهية.
ويتهم البعض حكومة ستارمر بأنها الأكثر عداءً للمسلمين في العقود الأخيرة، خاصة مع استفادة العديد من وزراء حكومته من دعم جماعات ضغط مؤيدة لإسرائيل.
وقد أعربت شخصيات بارزة عن قلقها إزاء هذا القرار، حيث أكد فياز موجال، مؤسس "تيل ماما"، أن إغلاق المنظمة سيترك فراغًا كبيرًا في التصدي للإسلاموفوبيا، مضيفًا أن إنشاء بديل مماثل سيستغرق أكثر من عقد من الزمن للوصول إلى المستوى الذي حققته "تيل ماما".
كما حذرت مصادر شرطية من أن المعلومات التي توفرها المنظمة كانت "لا تقدر بثمن" في رصد التوترات المجتمعية والاستجابة لها.
في المقابل، تحاول الحكومة تهدئة المخاوف من خلال الحديث عن وضع تعريف رسمي للإسلاموفوبيا، حيث صرحت أنجيلا راينر، نائبة رئيس الوزراء، بأن جرائم الكراهية ضد المسلمين "غير مقبولة"، وأن الحكومة ملتزمة بمحاربتها.
لكن هذه التصريحات تتناقض تمامًا مع إيقاف تمويل المنظمة الوحيدة المتخصصة في مكافحة الإسلاموفوبيا، مما يثير تساؤلات حول مدى جدية الحكومة في التعامل مع هذه القضية.
يأتي هذا القرار في توقيت حساس، إذ يوافق 15 مارس اليوم الدولي لمكافحة الإسلاموفوبيا، وهو أيضًا الذكرى السنوية الخامسة لمجزرة "كرايست تشيرش" في نيوزيلندا، التي قُتل فيها 51 مسلمًا أثناء أدائهم صلاة الجمعة على يد متطرف يميني.
ويخشى البعض أن يكون غياب التدخل الحكومي الجاد في بريطانيا مقدمة لوقوع مأساة مماثلة.
في ظل هذه الأوضاع، يشعر العديد من المسلمين في بريطانيا بعدم الأمان أكثر من أي وقت مضى، حيث أصبحت مظاهر الالتزام الديني، مثل الحجاب، سببًا للاستهداف والاعتداء.
وإذا كانت منظمة "تيل ماما" لن تكون موجودة لتقديم الدعم للضحايا، فمن سيلجأ إليهم المسلمون عندما يتعرضون للتمييز والاضطهاد؟