في تسعينيات القرن الماضي، كانت الأحزاب الأوروبية ما بعد الفاشية والنازية الجديدة ترفض إسرائيل بسبب خلفياتها المعادية للسامية، معتبرة إياها امتدادًا للاستعمار الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة. وفي المقابل، كانت إسرائيل ترفض زعماء اليمين المتطرف، كما حدث مع السياسي النمساوي يورج هايدر، الذي مُنع من دخول إسرائيل.
لكن الأمور تغيرت بشكل كبير منذ ذلك الحين. فرغم أن بعض السياسيين اليمينيين المتطرفين، مثل جيرت فيلدرز، أبدوا دعمهم لإسرائيل مبكرًا، إلا أن القبول المتبادل بين إسرائيل والتيارات اليمينية التقليدية استغرق وقتًا أطول.
تحولات في التحالفات
في ديسمبر 2010، قام وفد من الأحزاب اليمينية المتطرفة الأوروبية، مثل حزب الحرية النمساوي وحزب المصلحة الفلمنكية البلجيكي وحزب الحرية الألماني وحزب الديمقراطيين السويديين، بزيارة إسرائيل ووقعوا على "إعلان القدس". وأكد الإعلان حق إسرائيل في "الدفاع عن نفسها" ضد ما وصفوه بالإرهاب، واعتبر الإسلام عدوًا مشتركًا لأوروبا وإسرائيل.
هذا التحول في الخطاب جعل اليهود والأوروبيين يُصورون كضحايا لفاشية إسلامية متصاعدة، مما عزز فكرة التحالف بين إسرائيل واليمين الأوروبي لمواجهة هذا "التهديد".
في ذلك الوقت، لم يحظَ الوفد اليميني المتطرف بترحيب رسمي واسع في إسرائيل، باستثناء بعض أعضاء الكنيست المتطرفين. ومع ذلك، فإن زيارتهم للمستوطنات وإنكارهم لحق الفلسطينيين في الأرض، والتي أشاروا إليها بمصطلح "يهودا والسامرة"، عكست تحوّلًا كبيرًا من رفض وجود إسرائيل إلى إنكار وجود فلسطين.
تحالف اليمين المتطرف
بعد 15 عامًا، تطورت العلاقة بين اليمين المتطرف الأوروبي وإسرائيل بشكل أكبر، خاصة مع صعود العديد من هذه الأحزاب إلى السلطة أو حصولها على دعم شعبي واسع. ففي الانتخابات البرلمانية الأوروبية لعام 2024، شكّلت هذه الأحزاب ثالث أكبر كتلة سياسية تحت اسم "وطنيون من أجل أوروبا" (PfE)، بقيادة جوردان بارديلا من التجمع الوطني الفرنسي.
يضم هذا التحالف قوى سياسية رئيسية مثل حزب فيدس المجري بزعامة فيكتور أوربان، وحزب الرابطة الإيطالي بقيادة ماتيو سالفيني، وحزب الحرية الهولندي بزعامة فيلدرز، وحزب الحرية النمساوي، إلى جانب آخرين. وعلى الرغم من بقاء بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة، مثل "إخوة إيطاليا" و"البديل من أجل ألمانيا"، في كتل سياسية أخرى، إلا أن وطنيون من أجل أوروبا نجح في توسيع تحالفاته عالميًا.
وفي فبراير 2025، أعلن حزب الليكود الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو انضمامه إلى وطنيون من أجل أوروبا كعضو مراقب، في خطوة تعكس عمق التحالف بين اليمين المتطرف في أوروبا وإسرائيل.
إشارات ودلالات
ويركّز اليمين المتطرف الأوروبي على سياسات مناهضة للهجرة، مستهدفًا بشكل خاص المسلمين. لذلك، فإن التحالف مع حزب يترأسه سياسي متهم بجرائم حرب وإبادة جماعية بعد حرب مدمرة على غزة، يحمل عدة رسائل سياسية.
أولًا، يظهر هذا التحالف عدم اكتراث اليمين الأوروبي بقرارات المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو، مما يعكس استهانته بالقوانين الدولية. وثانيًا، يشير إلى تبنّي فكرة الحرب الدفاعية "التطهيرية"، التي يحلم بها المتطرفون الأوروبيون ضمن خطابهم حول "إعادة أوروبا إلى نقائها العرقي".
عصر جديد من التطرف
يرى اليمين المتطرف أن المسلمين يمثلون تهديدًا رئيسيًا وفقًا لنظرية "الاستبدال العظيم"، التي تروج لفكرة أن المسلمين يسعون لاستبدال السكان الأوروبيين الأصليين. وفي هذا السياق، يصبح التطهير العرقي خيارًا مطروحًا ضمن أجندتهم السياسية، كما عبّر عن ذلك مرتكبو المجازر اليمينية المتطرفة، مثل أندرس بريفيك في 2011.
وتزايدت الدعوات من بعض السياسيين الأوروبيين المتطرفين لـ"تطهير" القارة من المسلمين، حتى أن بعضهم أشار إلى إمكانية تنفيذ "سريبرينيتسا 2.0"، في إشارة إلى مجزرة البوسنة عام 1995. هذه التصريحات تكتسب زخمًا في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث يُنظر إلى سياسات نتنياهو على أنها نموذج يُحتذى به.
ومع تصاعد النفوذ اليميني المتطرف في الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل، يبدو أن العالم يتجه نحو نظام دولي أكثر استبدادًا، حيث يُعاد تعريف التحالفات وفقًا لأيديولوجيات قائمة على كراهية الآخر. وفي هذا السياق، قد يكون انضمام الليكود إلى "وطنيون من أجل أوروبا" مجرد خطوة أخرى في مسار أكثر تطرفًا تجاه المسلمين والفلسطينيين.
https://www.middleeasteye.net/opinion/far-right-international-likud-joins-patriots-europe