ما تداعيات عودة دونالد ترامب على القضايا الإقليمية والعربية، مثل الاحتلال الإسرائيلي، والإبادة الجماعية في غزة، وتهديدات إيران وبرنامجها النووي، وأمن الخليج؟ يزداد قلق حلفاء أمريكا من نهج ترامب وتوجهه نحو خصومهم، خاصة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يعد شخصية خارجة عن النظام العالمي التقليدي. كما تثار تساؤلات حول تقلبات ترامب وعدم توقع تصرفاته، إذ إنه ينتهك المفاوضات والاتفاقيات والالتزامات القانونية والمواثيق الدولية التي أسستها أمريكا نفسها.
كان يُعتقد أن بايدن هو الأكثر دعماً للاستيطان الإسرائيلي، حيث استخدم الفيتو الأمريكي خمس مرات في مجلس الأمن لدعم الحرب في غزة. لكن ترامب أثبت خطأ هذا الاعتقاد، متجاوزًا بايدن في تأييده لإسرائيل، رغم إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت.
أثار اقتراح ترامب بالاستيلاء على غزة وترحيل الفلسطينيين إلى مصر والأردن، ثم لاحقًا إلى السودان والصومال ودول أخرى، غضبًا عربيًا واسعًا. وبعد اجتماع طارئ للجامعة العربية في الرياض ثم قمة كاملة في القاهرة، تم التوصل إلى توافق على خطة مصرية لإعادة إعمار غزة دون تهجير سكانها. ورغم وصف المجتمع الدولي لخطة ترامب بأنها "تطهير عرقي"، فقد تراجع عنها في النهاية واعتبرها توصية غير ملزمة.
داخليًا، يبدو أن ترامب يرى في فوزه بولاية ثانية تفويضًا للتصرف دون قيود، حيث يعمل على تفكيك "الدولة العميقة" ومعاقبة خصومه السياسيين. قام بتقليص البيروقراطية الفيدرالية وإغلاق وكالات حكومية، مما تسبب في تسريح آلاف الموظفين. كما أثارت شراكته مع إيلون ماسك، الذي مُنح سلطة غير مسبوقة لإدارة الكفاءة الفيدرالية، غضبًا متزايدًا بين الأمريكيين.
اقتصاديًا، فرض ترامب تعريفات جمركية على الواردات من كندا والمكسيك والصين والاتحاد الأوروبي، مما يثير مخاوف من ارتفاع الأسعار والتضخم وربما الركود الاقتصادي. كما تزايد الاستياء الشعبي بسبب تصريحاته بشأن ضم كندا وجرينلاند واستعادة قناة بنما.
وعلى صعيد الهجرة، أعاد ترامب العمل بحظر دخول مواطني دول مسلمة، وهو القرار الذي ألغاه بايدن سابقًا، ويستعد الآن لفرض قيود جديدة على دخول مواطني 43 دولة، معظمها ذات أغلبية مسلمة أو من أفريقيا.
فيما يخص السياسة الخارجية، تبنى ترامب دعاية روسيا بشأن الحرب في أوكرانيا، وهدد حلفاء الناتو بعدم الدفاع عنهم ما لم يرفعوا إنفاقهم الدفاعي، في انتهاك واضح للمادة الخامسة من ميثاق الناتو. كما تسربت معلومات عن مفاوضات سرية بين إدارته وحماس، بوساطة قطرية، تهدف إلى اتفاق طويل الأمد لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى الأمريكيين، رغم أن ترامب هدد الحركة بعواقب وخيمة.
ومؤخرًا، وافق البيت الأبيض على استئناف القصف الإسرائيلي المكثف لغزة، مما أدى إلى مقتل أكثر من 500 فلسطيني في يوم واحد، الأمر الذي أسهم في تراجع شعبية ترامب إلى 45% داخل أمريكا، بينما تتراوح نسبة عدم الثقة بسياساته بين الأوروبيين بين 60% و88%.
بعودته إلى البيت الأبيض، يبدو أن ترامب يعيد تشكيل النظام العالمي، لكنه يفعل ذلك بطريقة تزعزع استقرار أمريكا وعلاقاتها بحلفائها التقليديين، مما يثير تساؤلات جدية حول مستقبل قيادتها للعالم.