في قلب محافظة المنيا، تحمل منى، ذات الـ42 عامًا، نجلها عبد الهادي، البالغ من العمر 24 عامًا، يوميًا إلى المستشفى، في رحلة عشذاب مستمرة تمتد لعشرة كيلومترات.
يعاني عبد الهادي من ضمور العضلات الشوكي، وهو مرض نادر يهدد حياته، لا تقتصر معاناته على المرض نفسه، بل تمتد إلى نقص العلاج، وارتفاع تكاليفه، وغياب الرعاية الطبية المتخصصة.
منى ليست وحدها في هذه المعاناة، فأبناؤها الثلاثة جميعهم مصابون بالمرض ذاته، دون أي تغطية صحية أو دعم حكومي، وتصف منى الوضع قائلة: "ابني الأكبر يحتاج إلى أجهزة تنفس صناعي، ولكن المستشفيات تفتقر إلى هذه الأجهزة، وحتى الأطباء المختصين في التعامل مع هذه الحالات نادرون."
رغم محاولاتها المتكررة للحصول على دعم من برامج الرعاية الاجتماعية مثل "تكافل وكرامة"، فإنها لم تجد أي استجابة.
مرضى بلا علاج.. رحلة البحث عن الدواء
تعاني مصر من نقص حاد في أدوية علاج ضمور العضلات، بسبب ارتفاع أسعار الدولار، ما أدى إلى أزمة خانقة في سوق الدواء، ورغم المبادرات الحكومية المعلنة، إلا أن المرضى ما زالوا ينتظرون تنفيذ الوعود.
وتكشف دعاء عاطف مكاوي، استشاري أمراض المخ والأعصاب، أن عدد مرضى ضمور العضلات في مصر غير محدد بدقة، لكن المعدلات العالمية تشير إلى أن واحدًا من كل خمسة إلى عشرة آلاف شخص مصاب بالمرض.
"المرضى يواجهون مشكلة كبيرة في التشخيص الصحيح،" تقول مكاوي، مضيفة أن معظم الأدوية التي توصلت إليها الأبحاث متاحة، ولكن إجراءات الحصول عليها معقدة للغاية.
أحكام قضائية لا تجد طريقها للتنفيذ
حصل العديد من أهالي المرضى على أحكام قضائية تُلزم التأمين الصحي بتغطية تكاليف العلاج، لكن التنفيذ بقي معلقًا.
مينا ناجي، والد طفل مصاب بمرض "دوشن"، حصل على حكم قضائي عام 2023، يلزم الحكومة بتوفير العلاج لابنه، لكنه لم يُنفذ حتى اليوم. هيئة التأمين الصحي تبرر موقفها بعدم توافر الدواء، رغم إعلان وزارة الصحة عن توفيره.
ورغم أن الدولة أطلقت مبادرات لعلاج المرضى، إلا أن التنفيذ الفعلي لتلك المبادرات لم يتحقق، وفقًا لرئيسة الجمعية لمرضى ضمور العضلات، شريفة مطاوع، التي تؤكد أن حياة المرضى تتدهور بسبب نقص العلاج.
بين الأمل واليأس.. أصوات المرضى وأهاليهم
هناء أبو السعد، والدة طفل مصاب بضمور العضلات، تصف رحلتها مع المرض قائلة: "ابني يحتاج إلى دواء 'زولجنسما'، الذي تصل تكلفته إلى 3 ملايين دولار، وهو مبلغ لا تستطيع أي أسرة تحمله."
تضيف: "حاولت التواصل مع المستشفيات الحكومية، لكن الرد دائمًا كان أن الإمكانيات محدودة، وعليَّ الانتظار، دون تحديد موعد واضح."
من جانبه، يروي محمود الغيطاني من أسيوط قصة ابنته المصابة، التي بدأت تعاني من المرض منذ أن كانت في الرابعة من عمرها، قائلًا: "لا يوجد أطباء متخصصون في محافظتنا، وكلما احتجنا إلى استشارة طبيب، نضطر للسفر إلى القاهرة، ما يمثل عبئًا ماليًا إضافيًا."
ردود الأفعال والمطالبات
في ظل هذه المعاناة، يتزايد الضغط الشعبي على الحكومة لاتخاذ إجراءات فورية. طالب العديد من النواب في البرلمان بضرورة توفير الأدوية بشكل عاجل، وإنشاء مراكز طبية متخصصة لعلاج مرضى ضمور العضلات.
من جانبه، أكد المتحدث باسم وزارة الصحة أن الحكومة تعمل على إدراج بعض أدوية ضمور العضلات ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل، لكن لم يُحدد جدول زمني لذلك.
في حين يرى المرضى وأهاليهم أن الحلول المتاحة لا تزال غير كافية، ولا تتناسب مع حجم الكارثة.