تشهد الأسواق المصرية مع مطلع أبريل 2025 موجة جديدة من الزيادات الصادمة في أسعار المشتقات النفطية، حيث أعلنت حكومة الانقلاب العسكري عن قفزة جديدة في أسعار الوقود تتراوح بين 11.7% و14.7%، لتمثل الحلقة الأخيرة في سلسلة متصاعدة من الزيادات منذ استيلاء العسكر على السلطة عام 2013.
هذه الزيادات التي شملت جميع أنواع الوقود، من بنزين 95 الذي قفز من 17 إلى 19 جنيهاً للتر، إلى السولار الذي ارتفع من 13.5 إلى 15.5 جنيهاً للتر، تطرح علامات استفهام كبرى حول مصير سياسات الدعم في مصر، وتكشف عن عمق الأزمة الاقتصادية التي تتفاقم يومًا بعد يوم تحت وطأة السياسات الفاشلة والتبعية للقروض الدولية.
 

سياسات الاقتراض وإدارة الأزمة
   
تعكس الزيادات الأخيرة استمراراً للسياسة الاقتصادية الفاشلة التي انتهجها الانقلاب العسكري منذ استيلائه على السلطة.
فوفقاً لبيانات البنك المركزي، تجاوز الدين الخارجي 165 مليار دولار بنهاية الربع الأول من 2025، بينما يقترب الدين المحلي من 5 تريليونات جنيه.
هذه الأرقام القياسية تظهر كيف أصبحت مصر رهينة للقروض الدولية وشروطها المجحفة، حيث تشير تقارير صندوق النقد الدولي إلى أن الحكومة المصرية التزمت بخفض الدعم بنسبة 40% خلال السنوات الثلاث الماضية مقابل الحصول على القروض.
 

تآكل منظومة الدعم وانهيار الطبقة الوسطى
   
تشير البيانات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن إنفاق الأسرة المصرية على الوقود والمواصلات ارتفع من 15% من الدخل عام 2014 إلى نحو 35% في 2025.
هذا التحول الدراماتيكي يظهر كيف تحول الدعم من حق أساسي للمواطنين إلى أداة للضغط الاقتصادي.
فبينما كان الدعم يشمل 25 سلعة أساسية عام 2013، انخفض العدد إلى 8 سلع فقط في 2025، وفقاً لتقارير وزارة التموين.
 

غياب الرؤية الاستراتيجية
   
تظهر الزيادات المتكررة غياباً تاماً للرؤية الاستراتيجية في إدارة ملف الدعم. فبدلاً من وضع خطة متكاملة للإصلاح الاقتصادي، تعتمد حكومة الانقلاب على القرارات الوقتية التي تفرضها مؤسسات التمويل الدولية.
وقد اعترف تقرير حديث لمركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء بأن 70% من قرارات تعديل الدعم خلال السنوات الخمس الماضية جاءت كرد فعل لضغوط خارجية وليس كجزء من خطة إصلاح شاملة.
 

ردود الأفعال السياسية والاجتماعية
   أدت الزيادات الأخيرة إلى تصاعد موجة السخط الاجتماعي، حيث سجلت منصات التواصل الاجتماعي ما يزيد عن 500 ألف تعليق غاضب خلال الأربع وعشرين ساعة الأولى من الإعلان عن الزيادات.
وفي الجانب السياسي، أدانت كتل معارضة في البرلمان القرارات الجديدة، بينما وصفتها أحزاب المعارضة الخارجية بأنها "ضربة جديدة للفقراء في ظل غياب العدالة الاجتماعية".
 

مستقبل ملف الدعم.. بين التخلي الكامل والضغوط الشعبية
   تشير كل المؤشرات إلى توجه النظام نحو التخلي الكامل عن الدعم خلال السنوات الثلاث المقبلة، كما ورد في وثائق صندوق النقد الدولي التي تسربت مؤخراً.
إلا أن هذا المسار يبدو محفوفاً بالمخاطر في ظل تدهور الأوضاع المعيشية، حيث ارتفع معدل الفقر إلى 35% وفقاً لأحدث تقديرات البنك المركزي، بينما تجاوزت نسبة المصريين تحت خط الفقر المدقع 6% للمرة الأولى منذ عشر سنوات.
 

أزمة نظام لا أزمة سياسات
   تكشف أزمة الدعم والزيادات المتكررة في أسعار الوقود عن خلل بنيوي في نظام الحكم القائم منذ الانقلاب العسكري.
فبدلاً من تبني سياسات إنتاجية تعزز الموارد، تعتمد الحكومة على حلول آنية تزيد من معاناة المواطنين.
وفي ظل غياب الرؤية الاستراتيجية وارتهان القرار الاقتصادي للضغوط الخارجية، يبدو مستقبل الدعم الحكومي وكأنه بات رهينة للمزيد من التدهور الاجتماعي والاقتصادي.