أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنفسه أن الحدس يوجه قراراته السياسية. هذا التصريح يزيل الغموض عن طبيعة قراراته، التي وصفها كثيرون بالتناقض والارتجال، وحاول آخرون تبريرها باستراتيجيات خفية أو حسابات معقدة. لكن الاعتراف الصريح من ترامب يدفعنا إلى التعامل مع الواقع: سياسة ترامب الخارجية تتسم بالفوضى والعشوائية، دون تخطيط بعيد المدى.

 

ملامح الدبلوماسية "الترامبية"

ركّز ترامب بشكل دائم على الصين، عبر لهجة عدائية تتخللها أحيانًا إشادات، مما يوحي بتقلب المواقف. بالمقابل، حافظ على علاقات أكثر وُدًّا مع موسكو، ما دفع البعض إلى مقارنته بنهج نيكسون في السبعينيات، حين سعى إلى التقارب مع الصين لإضعاف الاتحاد السوفييتي. لكن ترامب، بخلاف نيكسون ومستشاره كيسنجر، لا يمتلك خطة استراتيجية واضحة. وأشار بعض المراقبين إلى اعتماده على أسلوب "الرجل المجنون"، وهو تكتيك منسوب لنيكسون أيضًا، لكنه استخدمه في مواقف محدودة، بينما سلوك ترامب العام يبدو ارتجاليًا وغير محسوب.

 

ترامب.. شخصية مفهومة

يعطي مبدأ "شفرة أوكام" تفسيرًا واقعيًا لسلوك ترامب: أبسط تفسير غالبًا ما يكون الأدق. ترامب شخصية عامة منذ عقود، ظهر في الإعلام كرجل أعمال ومقدم برامج. مواقفه تجاه الرسوم الجمركية تعود إلى الثمانينيات، وظلّ متمسكًا بها خلال رئاسته، مما يدل على غياب العقيدة السياسية الثابتة، ووجود مصالح شخصية موجّهة للقرارات. مصالح الولايات المتحدة تأتي في المرتبة الثانية، من منظور ترامب الانتخابي فقط، ولذلك فضّل الخطاب المعادي للصين والداعم لإسرائيل لأنه يعتقد أنهما يضمنان له الدعم الشعبي.

 

الرسوم الجمركية... السلاح المفضل

تعتمد الدول الرسوم الجمركية لحماية صناعاتها، إما بشكل واسع أو محدد سياسيًا. لكن ترامب يستخدمها كأداة تهديد ومساومة، دون تمييز، فيفرضها ثم يسحبها بعد تحقيق تنازلات. مؤخرًا، فرض رسومًا شاملة ثم تراجع عنها بسرعة بعد ردود فعل اقتصادية سلبية، منها انخفاض حاد في أسواق المال، وتهديدات بردّ فعل من الصين والاتحاد الأوروبي.

 

خلفيات سياسة ترامب التجارية

يعتقد ترامب أن الدول الأخرى "تنهب" الولايات المتحدة، في حين أن الواقع يشير إلى استفادة الأمريكيين من نظام التجارة الحرة منذ الحرب العالمية الثانية. هذا النظام جلب الرخاء للولايات المتحدة، وشجّع النمو والاستقرار عالميًا، مما خدم مصالح واشنطن السياسية والاقتصادية. لكن ترامب يتجاهل هذا البعد الاستراتيجي، ويرى العلاقات الدولية بمنظار ضيّق يعتمد على مبدأ "الرابح والخاسر"، أي إن استفادت دولة أخرى، فهذا يعني – حسب رأيه – أن أمريكا تخسر.

 

غريزة بلا رؤية

خطابات ترامب المتعثرة وتعامله العشوائي مع النظام السياسي العالمي يذكّران بشخصيتي روزنكرانتس وجلدنسترن في مسرحية "هاملت"، وهما رمزان للتيه والارتباك في مواجهة أحداث أكبر منهما. ترامب، مثلهم، يعتمد على الحدس وعلى كلمات الآخرين لفهم ما يجري، ويصدر قرارات بناءً على هذا الحدس. يأمل البعض أن يستمع ترامب للمزيد من النصائح البنّاءة في المستقبل، ولكن، حتى الآن، تظل دبلوماسيته قائمة على الارتجال لا التخطيط.

https://www.middleeastmonitor.com/20250418-trumps-instinctual-diplomacy/