تطوّر الصراع في السودان بشكل كبير في مارس الماضي، عندما سيطر الجيش السوداني على القصر الرئاسي وسط الخرطوم بعد معارك شرسة مع قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي". هذا التحول لم يؤثر فقط على مجريات الحرب، بل كان أيضًا نقطة فاصلة لمصر، الحليف التاريخي الأقرب للجيش السوداني واللاعب الإقليمي الأهم في الملف السوداني.

منذ اندلاع الحرب في إبريل 2023، بسطت قوات الدعم السريع سيطرتها على مواقع استراتيجية في العاصمة، مثل القصر الرئاسي، مقر الإعلام الرسمي، ومناطق حيوية مثل المقرن والرياض ومطار الخرطوم. وزّع القناصة في الأبراج العالية، كبرج الفاتح وقاعة الصداقة.

لكن في سبتمبر 2024، شنّ الجيش هجومًا منسقًا على ثلاث جبهات: شرق النيل، جبل أولياء، والباقر. واستعاد مدنًا مهمة مثل جبل موية، سنار، وود مدني، وحاصر الخرطوم من الجنوب والشرق، وتقدم ببطء من أم درمان غربًا.

في معركة القصر يوم 21 مارس، خسرت قوات الدعم السريع أكثر من 600 مقاتل وأكثر من 100 مركبة عسكرية. انسحب المقاتلون من مراكزهم في الرياض ومدينة الرياضة وجامعة أفريقيا، وانهار وجودهم في الخرطوم.

دعمت مصر الجيش السوداني منذ بداية الحرب، بدافع الحفاظ على استقرار الجنوب، وتأمين مياه النيل، ومواجهة تهديدات المجموعات المسلحة قرب حدودها الجنوبية. لكن القاهرة التزمت الصمت رسميًا، حتى بدأ حميدتي باتهامها علنًا بشن ضربات جوية وتزويد الجيش بطائرات مسيرة وقنابل أمريكية.

في أكتوبر، اتهم حميدتي الجيش المصري باستهداف قواته في جبل موية، وتحدث مستشاروه عن "أسرى مصريين" وصفوهم بالمرتزقة، ملوّحين بضرب السد العالي، في تهديد اعتُبر رسالة مبطنة بتنسيق إثيوبي.

رغم نفي القاهرة الرسمي، أشارت مصادر دبلوماسية وغربية إلى وجود دعم عسكري محدود قدمته مصر، خصوصًا خلال مراحل حاسمة من الحرب، دون الوصول إلى مستوى التدخل الكامل.

وفي مارس 2025، فرضت قوات الدعم السريع حظرًا على تصدير أي سلع إلى مصر من المناطق الخاضعة لسيطرتها، شمل الفول السوداني، الصمغ العربي، الذهب، المواشي، الحبوب، والدخان. اعتبرت أي عملية تصدير "خيانة"، وهددت باعتبار المركبات المتجهة شمالًا "أهدافًا معادية".

هذه الخطوة كانت سياسية بامتياز، حيث صارت مصر في نظر قوات الدعم السريع عدوًا مباشرًا، لا مجرد داعم للجيش. ومع ذلك، يسيطر الجيش على مناطق الإنتاج الزراعي في دارفور وكردفان، ما يمنحه ورقة ضغط اقتصادية مهمة. لكن يبقى السؤال: هل يملك حميدتي أسواقًا بديلة؟ وهل تستطيع قواته إدارة اقتصاد حرب محاصر دبلوماسيًا ولوجستيًا؟

مصر تواجه الآن ثلاثة خيارات:

الخيار الأول: دعم انتصار عسكري كامل للجيش. يضمن هذا وجود حليف استراتيجي في الحكم، لكنه ينذر بتورط مصر في صراع إقليمي أوسع يمتد إلى دارفور، ليبيا، أو إثيوبيا.

الخيار الثاني: الدفع نحو تسوية سياسية جديدة، تستغل تقدم الجيش ميدانيًا، وتقصي قوات الدعم السريع عسكريًا، لكنها تمنح بعض حلفائها تمثيلًا سياسيًا لتفادي العزلة الدولية والانفجار الداخلي.

الخيار الثالث: الانسحاب التدريجي، وتخفيف التدخل إلى دعم استخباراتي وإنساني، بانتظار انتهاء الصراع. لكن هذا قد يضعف نفوذ القاهرة، ويمنح اللاعبين الإقليميين الآخرين فرصة التوسع.

تقدم الجيش في الخرطوم لم يتحقق دون دعم مصري، لكن هذا الإنجاز أدخل القاهرة في مواجهة علنية مع قوات الدعم السريع. ومع استمرار القتال وتفاقم الانقسامات السودانية، وتزايد التدخلات الإقليمية، تقف مصر عند مفترق طرق.

هل تدير الصراع باعتباره أزمة حدود مؤقتة؟ أم كمعركة طويلة الأمد على هوية السودان وسيادته وموقعه في العقيدة الأمنية المصرية؟ الإجابة على هذا السؤال سترسم مستقبل البلدين لسنوات قادمة.

https://www.arabnews.com/node/2597630